(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥)
____________________________________
ترتب الاهتداء وهذا محقق لما سلف من تقييد الإخراج من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فلا يغالب فى مشيئته (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل شيئا من الإضلال والهداية إلا لحكمة بالغة وفيه* أن ما فوض إلى الرسل إنما هو تبليغ الرسالة وتبيين طريق الحق وأما الهداية والإرشاد إليه فذلك بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى) شروع فى تفصيل ما أجمل فى قوله عزوجل ٥ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) الآية (بِآياتِنا) أى ملتبسا بها وهى معجزاته التى* أظهرها لبنى إسرائيل (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) بمعنى أى أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول أو بأن أخرج* كما فى قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) فإن صيغ الأفعال فى الدلالة على المصدر سواء وهو المدار فى صحة الوصل والمراد بذلك إخراج بنى إسرائيل بعد مهلك فرعون (مِنَ الظُّلُماتِ) من الكفر والجهالات التى أدتهم* إلى أن يقولوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (إِلَى النُّورِ) إلى الإيمان بالله وتوحيده وسائر ما أمروا به* (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أى بنعمائه وبلائه كما ينبىء عنه قوله (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) لكن لا مما جرى عليهم فقط* بل عليهم وعلى من قبلهم من الأمم فى الأيام الخالية حسبما ينبى عنه قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآيات أو بأيامه المنطوية على ذلك كما يلوح به قوله تعالى (إِذْ أَنْجاكُمْ) والالتفات من التكلم إلى الغببة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإبذان بفخامة شأنها والإشعار بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما توهمه الإضافة إلى ضمير المتكلم أى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد وقيل أيام الله وقائعه التى وقعت على الأمم قبلهم وأيام العرب وقائعها وحروبها وملاحمها أى أنذرهم وقائعه التى دهمت الأمم الدارجة ويرده ما تصدى له صلىاللهعليهوسلم بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى عليك (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فى التذكير بها أو فى مجموع تلك النعماء والبلاء أو* فى أيامها (لَآياتٍ) عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته فهى على الأول عبارة* عن الأيام سواء أريد بها أنفسها أو ما فيها من النعماء والبلاء ومعنى ظرفية التذكير لها كونه مناطا لظهورها وعلى الثالث عن تلك النعماء والبلاء ومعنى الظرفية ظاهر وأما على الثانى وهو كونه إشارة إلى مجموع النعماء فعن كل واحدة من تلك النعماء والبلاء والمشار إليه المجموع المشتمل عليها من حيث هو مجموع أو كلمة فى تجريدية مثلها فى قوله تعالى (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على بلائه (شَكُورٍ) لنعمائه وقيل لكل مؤمن* والتعبير عنهم بذلك للإشعار بأن الصبر والشكر عنوان المؤمن أى لكل من يليق بكمال الصبر والشكر أو الإيمان ويصير أمره إليها لا لمن اتصف بها بالفعل لأنه تعليل للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكر المؤدى إلى تلك المرتبة فإن من تذكر ما فاض أو نزل عليه أو على من قبله من النعماء والبلاء وتنبه لعاقبة الشكر والصبر أو الإيمان لا يكاد يفارقها وتخصيص الآيات بهم لأنهم المنتفعون بها لا لأنها خافية