(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٩)
____________________________________
* مفعوله أو منهما جميعا (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) أى أسبابه من الشدائد (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ويحيط به من جميع الجهات* أو من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) أى والحال أنه ليس بميت حقيقة كما هو الظاهر من مجىء أسبابه لا سيما من جميع الجهات حتى لا يتألم بما غشيه من أصناف* الموبقات (وَمِنْ وَرائِهِ) من بين يديه (عَذابٌ غَلِيظٌ) يستقبل كل وقت عذابا أشد وأشق مما كان قبله ففيه دفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتياد كما فى عذاب الدنيا وقيل هو الخلود فى النار وقيل هو حبس الأنفاس وقيل المراد بالاستفتاح والخيبة استسقاء أهل مكة فى سنيهم التى أرسلها الله تعالى عليهم بدعوته عليه الصلاة والسلام وخيبتهم فى ذلك وقد وعد لهم بدل ذلك صديد أهل النار (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) * أى صفتهم وحالهم العجيبة الشأن التى هى كالمثل فى الغرابة وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) كقولك صفة زيد عرضه مهتوك وماله منهوب وهو استئناف مبنى على سؤال من قال ما بال أعمالهم التى عملوها فى وجوه البر من صلة الأرحام وإعتاق الرقاب وفداء الأسارى وإغاثة الملهوفين وقرى الأضياف* وغير ذلك مما هو من باب المكارم حتى آل أمرهم إلى هذا المآل فأجيب بأن ذلك كرماد (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) حملته وأسرعت الذهاب به (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) العصف اشتداد الريح وصف به زمانها مبالغة كقولك ليلة ساكرة وإنما السكور لريحها شبهت صنائعهم المعدودة لا بتنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والإيمان به والتوجه بها إليه تعالى برماد طيرته الريح العاصفة أو استئناف مسوق لبيان أعمالهم للأصنام أو مبتدأ خبره محذوف كما هو رأى سيبويه أى فيما يتلى عليك مثلهم وقوله (أَعْمالُهُمْ) جملة مستأنفة مبنية على سؤال من يقول كيف مثلهم فقيل أعمالهم كيت وكيت سواء أريد بها صنائعهم أو أعمالهم لأصنامهم* وقيل أعمالهم بدل من مثل الذين وقوله (كَرَمادٍ) خبره (لا يَقْدِرُونَ) أى يوم القيامة (مِمَّا كَسَبُوا) من تلك* الأعمال (عَلى شَيْءٍ) ما أى لا يرون له أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب كدأب الرماد المذكور وهو فذلكة التمثيل والاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام مع أن لها عقوبات هائلة للتصريح ببطلان* اعتقادهم وزعمهم أنها شفعاء لهم عند الله تعالى وفيه تهكم بهم (ذلِكَ) أى ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة من* ضلالهم مع حسبانهم أنهم على شىء (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن طريق الصواب أو عن نيل الثواب. (أَلَمْ تَرَ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والمراد به أمته وقيل لكل أحد من الكفرة لقوله تعالى (يُذْهِبْكُمْ) والرؤية* رؤية القلب وقوله تعالى (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ساد مسد مفعوليها أى ألم تعلم أنه تعالى* خلقهما (بِالْحَقِّ) ملتبسة بالحكمة والوجه الصحيح الذى يحق أن تخلق عليه وقرىء خالق السموات* والأرض (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يعدمكم بالمرة (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أى يخلق بدلكم خلقا مستأنفا لا علاقة