(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) (٢٤)
____________________________________
أيضا مبتلى بمثل ما ابتلوا به ومحتاج إلى الإصراخ فكيف من إصراخ الغير ولذلك آثر الجملة الاسمية فكان ما مضى كان جوابا منه عن توبيخهم وتقريعهم وهذا جواب عن استغاثتهم واستعانتهم به فى استدفاع مادهمهم من العذاب وقرىء بكسر الياء (إِنِّي كَفَرْتُ) اليوم (بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أى بإشراككم* إياى بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) يعنى أن إشراككم لى بالله سبحانه هو الذى يطمعكم فى نصرتى لكم بأن كان لكم على حق حيث جعلتمونى معبودا وكنت أود ذلك وأرغب فيه فاليوم كفرت بذلك ولم أحمده ولم أقبله منكم بل تبرأت منه ومنكم فلم يبق بينى وبينكم علاقة أو كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذى أشركتمونيه وهو الله تعالى كما فى قوله سبحان ما سخر كن لنا فيكون تعليلا لعدم إصراخه فإن الكافر بالله سبحانه بمعزل من الإغاثة والإعانة سواء كان بالمدافعة أو الشفاعة وأما جعله تعليلا لعدم إصراخهم إياه فلا وجه له إذ لا احتمال له حتى يحتاج إلى التعليل ولأن تعليل عدم إصراخهم بكفره يوهم أنهم بسبيل من ذلك لو لا المانع من جهته (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) تتمة كلامه أو ابتداء كلام من جهة الله عزوجل وفى حكاية أمثاله لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أى بأمره أو بتوفيقه وهدايته وفى التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد اللطف بهم والمدخلون هم الملائكة عليهمالسلام وقرىء على صيغة التكلم فيكون قوله تعالى (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) متعلقا بقوله تعالى (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أى يحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم (أَلَمْ تَرَ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم وقد علق بما بعده من قوله تعالى (كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أى كيف اعتمده ووضعه فى موضعه اللائق به (كَلِمَةً طَيِّبَةً) منصوب بمضمر أى جعل كلمة طيبة هى كلمة التوحيد* أو كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) أى حكم بأنها مثلها* لا أنه تعالى صيرها مثلها فى الخارج وهو تفسير لقوله (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) كقولك شرف الأمير زيدا كساه حلة وحمله على فرس ويجوز أن يكون كلمة بدلا من مثلا وكشجرة صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أى هى كشجرة وأن يكون أول مفعولى ضرب إجراء له مجرى جعل قد أخر عن ثانيهما أعنى مثلا لئلا يبعد عن صفته التى هى كشجرة وقد قرئت بالرفع على الابتداء (أَصْلُها ثابِتٌ) أى ضارب بعروقه فى الأرض وقرأ* أنس بن مالك رضى الله عنه كشجرة طيبة ثابت أصلها وقراءة الجماعة أقوى سبكا وأنسب بقرينته أعنى قوله تعالى (وَفَرْعُها) أى أعلاها (فِي السَّماءِ) فى جهة العلو ويجوز أن يراد وفروعها على الاكتفاء بلفظ* الجنس عن الجمع.