(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) (٣٢)
____________________________________
والمخالة ولا انتفاع بذلك وإنما الانتفاع والارتفاق فيه بالإنفاق لوجه الله سبحانه والظاهر أن من متعلقة بأنفقوا وتذكير إتيان ذلك اليوم لتأكيد مضمونه كما فى سورة البقرة من حيث إن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير معاوضة وتبرعا وانقطاع آثار البيع والخلال الواقعين فى الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعى إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق فى سبيل الله عزوجل أو من حيث إن إدخار المال وترك إنفاقه إنما يقع غالبا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك فى الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت وتخصيص التأكيد بذلك لميل الطباع إلى المال وكونها مجبولة على حبه والضنة به ولا يبعد أن يكون تأكيد المضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضا من حيث إن تركها كثيرا ما يكون بالاشتغال بالبياعات والمخالات كما فى قوله تعالى (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) وقرىء بالفتح فيهما على إرادة النفى العام ودلالة الرفع على ذلك باعتبار خطابى هو وقوعه فى جواب هل فيه بيع أو خلال (اللهُ) مبتدأ خبره (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) وما فيها من الأجرام العلوية (وَالْأَرْضَ) وما فيها من أنواع المخلوقات لما ذكر أحوال الكافرين لنعم الله تعالى وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرا لنعمه شرع فى تفصيل ما يستوجب على كافة الأنام المثابرة على الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام حثا للمؤمنين عليها وتقريعا للكفرة المخلين بها الواضعين موضعها الكفر والمعاصى وفى جعل المبتدأ الاسم الجليل والخبر الاسم الموصول بتلك الأفاعيل العظيمة من خلق هذه الأجرام العظام وإنزال الأمطار وإخراج الثمرات وما يتلوها من الآثار العجيبة ما لا يخفى من تربية المهابة والدلالة على قوة السلطان (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أى السحاب فإن كل ما علاك سماء أو من الفلك فإن المطر منه يبتدىء إلى السحاب* ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه ظواهر النصوص أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى الجو فينعقد سحابا ماطرا وأيا ما كان فمن ابتدائية (السَّماءِ) أى نوعا منه هو المطر وتقديم* المجرور على المنصوب إما باعتبار كونه مبدأ لنزوله أو لتشريفه كما فى قولك أعطاه السلطان من خزانته مالا أو لما مر مرارا من التشويق إلى المؤخر (فَأَخْرَجَ بِهِ) بذلك الماء (مِنَ الثَّمَراتِ) الفائتة للحصر إما* لأن صيغ الجموع يتعاور بعضها موضع بعض وإما لأنه أريد بمفردها جماعة الثمرة التى فى قولك أدركت ثمرة بستان فلان (رِزْقاً لَكُمْ) تعيشون به وهو بمعنى المرزوق شامل للمطعوم والملبوس مفعول لأخرج* ومن للتبيين كقولك أنفقت من الدراهم ألفا ويجوز أن يكون من الثمرات مفعولا ورزقا حالا منه أو مصدرا من أخرج بمعنى رزق أو للتبعيض بدليل قوله تعالى (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ) كأنه قيل أنزل من السماء بعض الماء فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم إذ لم ينزل من السماء كل الماء ولا أخرج بالمطر كل الثمار ولا جعل كل الرزق ثمرا وخروج الثمرات وإن كان بمشيئته عزوجل وقدرته لكن جرت عادته تعالى