(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦)
____________________________________
وإن كان القياس عدمه فللإيذان بكمال الالتصاق بينهما من حيث إن الواو شأنها الجمع والربط فإن ما نحن فيه من الصفة أقوى لصوقا بالموصوف منها به فى قوله تعالى (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) فإن امتناع انفكاك الإهلاك عن الأجل المقدر عقلى وعن الإنذار عادى جرى عليه السنة الإلهية ولما بين أن الأمم المهلكة كان لكل منهم وقت معين لهلاكهم لم يكن إلا حسبما كان مكتوبا فى اللوح بين أن كل أمة من ٥ الأمم منهم ومن غيرهم لها كتاب لا يمكن التقدم عليه ولا التأخر عنه فقيل (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ) من* الأمم المهلكة وغيرهم (أَجَلَها) المكتوب فى كتابها أى لا يجىء هلاكها قبل مجىء كتابها أو لا تمضى أمة قبل مضى أجلها فإن السبق إذا كان واقعا على زمانى فمعناه المجاوزة والتخليف فإذا قلت سبق زيد عمرا فمعناه أنه جاوزه وخلفه وراءه وإذا كان واقعا على زمان كان الأمر بالعكس والسر فى ذلك أن الزمان يعتبر فيه الحركة والتوجه إلى المتكلم فما سبقه يتحقق قبل تحققه وأما الزمانى فإنما يعتبر فيه الحركة والتوجه إلى ما سيأتى من الزمان فالسابق ما تقدم إلى المقصد وإيراده بعنوان الأجل باعتبار ما يقتضيه من السبق* كما أن إيراده بعنون الكتاب المعلوم باعتبار ما يوجبه من الإهلاك (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أى وما يتأخرون وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له وإيثار صيغة المضارع فى الفعلين بعد ما ذكر نفى الإهلاك بصيغة الماضى لأن المقصود بيان دوامهما واستمرار هما فيما بين الأمم الماضية والباقية وإسنادهما إلى الأمة بعد إسناد الإهلاك إلى القرية لما أن السبق والاستئخار حال الأمة دون القرية مع ما فى الأمة من العموم لأهل تلك القرى وغيرهم ممن أخرت عقوباتهم إلى الآخرة وتأخير ذكر عدم تأخرهم عن ذكر عدم سبقهم مع كون المقام مقام المبالغة فى بيان تحقق عذابهم إما باعتبار تقدم السبق فى الوجود وإما باعتبار أن المراد بيان سر تأخير عذابهم مع استحقاقهم لذلك وإيراد الفعل على صيغة جمع المذكر للحمل على المعنى مع التغليب ولرعاية الفواصل ولذلك حذف الجار والمجرور والجملة مبينة لما سبق والمعنى أن تأخير عذابهم إلى يوم القيامة حسبما أشير إليه ببيان ودادتهم للإسلام إذ ذاك وبالأمر بتركهم وشأنهم إلى أن يعلموا حقيقة الحال إنما هو لتأخر أجلهم المقدر لما يقتضيه من الحكم البالغة ومن جملتها ما علم الله تعالى من إيمان بعض من يخرج منهم إلى يوم القيامة (وَقالُوا) شروع فى بيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب وما يئول إليه حالهم والقائلون مشركو* مكة لغاية تماديهم فى العتو والغى (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) خاطبوا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تسليما لذلك* واعتقادا له بل استهزاء به عليه الصلاة والسلام وإشعارا بعلة حكمهم الباطل فى قولهم (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) كدأب فرعون إذ قال إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون يعنون يا من يدعى مثل هذا الأمر البديع الخارق للعادات إنك بسبب تلك الدعوى أو بشهادة ما يعتريك عند ما تدعى أنه ينزل عليك لمجنون