(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (٨)
____________________________________
وتقديم الجار والمجرور على القائم مقام الفاعل لأن إنكارهم متوجه إلى كون النازل ذكرا من الله تعالى لا إلى كون المنزل عليه رسول الله بعد تسليم كون النازل منه تعالى كما فى قوله تعالى (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فإن الإنكار هناك متوجه إلى كون المنزل عليه رسول الله تعالى وإيراد الفعل على صيغة المجهول لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعل أو لتوجيه الإنكار إلى كون التنزيل عليه لا إلى استناده إلى الفاعل (لَوْ ما تَأْتِينا) كلمة لو عند تركبها مع ما تفيد ما تفيده عند تركبها مع لا من معنى امتناع الشىء لوجود غيره ومعنى التحضيض خلا أنه عند إزادته لا يليها إلا فعل ظاهر أو مضمر وعند إرادة المعنى الأول لا يليها إلا اسم ظاهر أو مقدر عند البصريين والمراد ههنا هو الثانى أى هلا تأتينا (بِالْمَلائِكَةِ) يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك فى الإنذار كقوله تعالى (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) * فيكون معه نذيرا أو يعاقبوننا على التكذيب كما تأتى الأمم المكذبة لرسلهم (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) * فى دعواك فإن قدرة الله تعالى على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك إليه فى تمشية أمرك فإنا لا نصدقك بدون ذلك أو إن كنت من جملة تلك الرسل الصادقين الذين عذبت أممهم المكذبة لهم (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بالنون على بناء الفعل لضمير الجلالة من التنزيل وقرىء من الإنزال وقرىء تنزل مضارعا من التنزيل على صيغة البناء للمفعول ومن التنزيل بحذف إحدى التاءين وماضيا منه ومن التنزيل ومن الثلاثى وهو كلام مسوق إلى النبى صلىاللهعليهوسلم جوابا لهم عن مقالتهم المحكية وردا لاقتراحهم الباطل ولشدة استدعاء ذلك للجواب قدم رده على ما هو جواب عن أولها أعنى قوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) الآية كما فعل فى قوله تعالى (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ) فإنه مع كونه جوابا عن قولهم (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) قدم على قوله (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) الآية مع كونه جوابا عن أول كلامهم الذى هو قولهم (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) لما ذكر من شدة اقتضائه للجواب وليكون أحد الجوابين متصلا بالسؤال وفى العكس يلزم انفصال كل من الجوابين عن سؤاله والعدول عن تطبيقه لظاهر كلامهم بصدد الاقتراح وهو أن يقال ما تأتيهم بهم للإيذان بأنهم قد أخطئوا فى التعبير حسبما أخطئوا فى الاقتراح وأن الملائكة لعلو رتبتهم أعلى من أن ينسب إليهم مطلق الإتيان الشامل للانتقال من أحد الأمكنة المتساوية إلى الآخر منها بل من الأسفل إلى الأعلى وأن يكون مقصد حركاتهم أولئك الكفرة وأن يدخلوا تحت ملكوت أحد من البشر وإنما الذى يليق بشأنهم النزول من مقامهم العالى وكون ذلك بطريق التنزيل من جناب الرب الجليل (إِلَّا بِالْحَقِّ) أى ملبتسا بالوجه الذى يحق ملابسة التنزيل به مما تقتضيه الحكمة وتجرى به السنة الإلهية كقوله سبحانه (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) والذى اقترحوه من التنزيل لأجل الشهادة لديهم وهم هم ومنزلتهم فى الحقارة والهوان منزلتهم مما لا يكاد يدخل تحت الصحة والحكمة أصلا فإن ذلك من باب التنزيل بالوحى الذى لا يكاد يفتح على غير الأنبياء الكرام من