(إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (٢٠)
____________________________________
شَيْطانٍ رَجِيمٍ) مرمى بالنجوم فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس فى أهلها ويتصرف فيها ويقف على أحوالها (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) محله النصب على الاستثناء المتصل إن فسر الحفظ بمنع الشياطين عن التعرض لها على الإطلاق والوقوف على ما فيها فى الجملة أو المنقطع إن فسر ذلك بالمنع عن دخولها والتصرف فيها. عن ابن عباس رضى الله عنهما أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليهالسلام منعوا من ثلاث سموات ولما ولد النبى صلىاللهعليهوسلم منعوا من السموات كلها واستراق السمع اختلاسه سرا شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السموات بما بينهم من المناسبة فى الجوهر أو بالاستدلال من الأوضاع (فَأَتْبَعَهُ) أى تبعه ولحقه (شِهابٌ) لهب محرق وهو شعلة نار ساطعة وقد يطلق على الكواكب* والسنان لما فيهما من البريق (مُبِينٌ) ظاهر أمره للمبصرين قال معمر قلت لابن شهاب الزهرى أكان يرمى* بالنجوم فى الجاهلية قال نعم وإن النجم ينقض ويرمى به الشيطان فيقتله أو يخبله لئلا يعود إلى استراق السمع ثم يعود إلى مكانه قال أفرأيت قوله تعالى (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ) الآية قال غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ابن قتيبة إن الرجم كان قبل مبعثه صلىاللهعليهوسلم ولكن لم يكن فى شدة الحراسة كما بعد مبعثه صلىاللهعليهوسلم قال ابن عباس رضى الله عنهما إن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى السماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالكواكب فلا يخطىء أبدا فمنهم من يقتّله ومنهم من يحرق وجهه وجنبه ويده حيث يشاء الله تعالى ومنهم من يخبله فيصير غولا فيضل الناس فى البوادى. قال القرطبى اختلفوا فى أن الشهاب هل يقتل أم لا قال ابن عباس رضى الله عنهما يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل وقال الحسن وطائفة يقتل قال والأول أصح (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها وهو بالنصب على الحذف على شريطة التفسير ولم يقرأ بالرفع لرجحان النصب للعطف على الجملة الفعلية أعنى قوله تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنا) الخ وليوافق ما بعده أعنى قوله تعالى (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أى جبالا ثوابت وقد مر بيانه فى أول الرعد (وَأَنْبَتْنا فِيها) * أى فى الأرض أو فيها وفى رواسيها (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) بميزان الحكمة ذاتا وصفة ومقدارا وقيل* ما يوزن من الذهب والفضة وغيرهما أو من كل شىء مستحسن مناسب أو ما يوزن ويقدر من أبواب النعمة (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) ما تعيشون به من المطاعم والملابس وغيرهما مما يتعلق به البقاء وهى بياء صريحة وقرىء بالهمزة تشبيها له بالشمائل (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) عطف على (مَعايِشَ) أو على محل (لَكُمْ) كأنه قيل* جعلنا لكم معايش وجعلنا لكم من لستم برازقيه من العيال والمماليك والخدم والدواب وما أشبهها على طريقة التغليب وذكرهم بهذا العنوان لرد حسبانهم أنهم يكفون مؤناتهم ولتحقيق أن الله تعالى هو الذى يرزقهم وإياهم أو وجعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين.