(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) (٢٣)
____________________________________
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) إن للنفى ومن مزيدة للتأكيد وشىء فى محل الرفع على الابتداء أى ما من شىء من الأشياء* الممكنة فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) الظرف خبر للمبتدأ و (خَزائِنُهُ) مرتفع به على أنه فاعله لاعتماده أو خبر له والجملة خبر للمبتدأ الأول والخزائن جمع الخزانة وهى ما يحفظ فيه نفائس الأموال لا غير غلب فى العرف على ما للملوك والسلاطين من خزائن أرزاق الناس شبهت مقدوراته تعالى الفائتة للحصر المندرجة تحت قدرته الشاملة فى كونها مستورة عن علوم العالمين ومصونة عن وصول أيديهم مع كمال افتقارهم إليها ورغبتهم فيها وكونها مهيأة متأتية لإيجاده وتكوينه بحيث متى تعلقت الإرادة بوجودها وجدت بلا تأخر بنفائس الأموال المخزونة فى الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على* طريقة الاستعارة التخييلية (وَما نُنَزِّلُهُ) أى ما نوجد وما نكون شيئا من تلك الأشياء ملتبسا بشىء من* الأشياء (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أى إلا ملتبسا بمقدار معين تقتضيه الحكمة وتستدعيه المشيئة التابعة لها لا بما تقتضيه القدرة فإن ذلك غير متناه فإن تخصيص كل شىء بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ماعدا ذلك مع استواء الكل فى الإمكان واستحقاق تعلق القدرة به لا بد له من حكمة تقتضى اختصاص كل من ذلك بما اختص به وهذا البيان سر عدم تكوين الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو فى خزائن القدرة وهو إما عطف على مقدر أى ننزله وما ننزله الخ أو حال بما سبق أى عندنا خزائن كل شىء والحال أنا ما ننزله إلا بقدر معلوم فالأول لبيان سعة القدرة والثانى لبيان بالغ الحكمة وحيث كان إنشاء ذلك بطريق التفضل من العالم العلوى إلى العلم السفلى كما فى قوله تعالى (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وكان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) عطف على (جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق وترشيح ما لحق أى أرسلنا الرياح* (لَواقِحَ) أى حوامل شبهت الريح التى تجىء بالخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه بالعقيم مالا يكون كذلك أو ملقحات بالشجر والسحاب ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات فى قوله [ومختبط مما تطيح الطوائح] أى المهلكات وقرىء وأرسلنا الريح على إرادة الجنس (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ) بعد ما أنشأنا بتلك* الرياح سحابا ماطرا (ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أى جعلناه لكم سقيا وهو أبلغ من سقينا كموه لما فيه من الدلالة* على جعل الماء معدا لهم ينتفعون به متى شاءوا (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) نفى عنهم ما أثبته لجنابه بقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) كأنه قيل نحن القادرون على إيجاده وخزنه فى السحاب وإنزاله وما أنتم على ذلك بقادرين وقيل ما أنتم بخازنين له بعد ما أنزلناه فى الغدران والآبار والعيون بل نحن نخزنه فيها لنجعلها سقيا لكم مع أن طبيعة الماء تقتضى الغور (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) بإيجاد الحياة فى بعض الأجسام القابلة لها