(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢٩)
____________________________________
مسنونيته ليس فى حال كونه صلصالا بل فى حال كونه حمأ كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صوت ثم غيره إلى جوهر آخر (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وَالْجَانَّ) أبا الجن وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وقرىء بالهمزة وانتصابه بفعل يفسره* (خَلَقْناهُ) وهو أقوى من الرفع للعطف على الجملة الفعلية (مِنْ قَبْلُ) من قبل خلق الإنسان ومن هذا* يظهر جواز كون المراد بالمستقدمين أحد الثقلين وبالمستأخرين الآخر والخطاب بقوله (مِنْكُمْ) للكل (مِنْ نارِ السَّمُومِ) من نار الحر الشديد النافذ فى المسام ولا امتناع من خلق الحياة فى الأجرام البسيطة كما لا امتناع من خلقها فى الجواهر المجردة فضلا عن الأجسام المؤلفة التى غالب أجزائها الجزء النارى فإنها أقبل لها من التى غالب أجزائها الجزء الأرضى وقوله تعالى (مِنْ نارِ) باعتبار الغالب كقوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) ومساق الآية الكريمة كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التى يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول المواد للجمع والإحياء (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) نصب بإضمار اذكر وتذكير الوقت لما مر مرارا من أنه أدخل فى تذكير ما وقع فيه من الحوادث وفى التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن تبليغ الشىء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام إشعار بعلة الحكم وتشريف له عليه الصلاة والسلام أى اذكر وقت قوله تعالى* (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ) فيما سيأتى وفيه ما ليس فى صيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل له البتة من* غير صارف يثنيه ولا عاطف يلويه (بَشَراً) أى إنسانا قيل ليس هذا عين العبارة الجارية وقت الخطاب بل الظاهر أن يكون قد قيل لهم إنى خالق خلقا من صفته كيت وكيت ولكن اقتصر عند الحكاية على* الاسم وقيل جسما كثيفا يلاقى ويباشر وقيل خلقا بادى البشر بلا صوف ولا شعرة (مِنْ صَلْصالٍ) متعلق* بخالق أو بمحذوف وقع صفة لمفعوله أى بشرا كائنا من صلصال كائن (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) تقدم تفسيره ولا ينافى هذا ما فى قوله تعالى فى سورة ص من قوله (بَشَراً مِنْ طِينٍ) فإن عدم التعرض عند الحكاية لوصف الطين من التغير والاسوداد ولما ورد عليه من آثار التكوين لا يستلزم عدم التعرض لذلك عند وقوع المحكى غايته أنه لم يتعرض له هناك اكتفاء بما شرح ههنا (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أى صورته بالصورة الإنسانية* والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) النفخ إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها أى فإذا كملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التى هى من أمرى