(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣٢)
____________________________________
(فَقَعُوا لَهُ) أمر من وقع يقع وفيه دليل على أن ليس المأمور به مجرد الانحناء كما قيل أى اسقطوا له* (ساجِدِينَ) تحية له وتعظيما أو اسجدوا لله تعالى على أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة القبلة حيث ظهر فيه* تعاجيب آثار قدرته تعالى وحكمته كقول حسان رضى الله تعالى عنه[أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالقرآن والسنن](فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) أى فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد الملائكة (كُلُّهُمْ) بحيث لم يشذ منهم أحد (أَجْمَعُونَ) بحيث لم يتأخر فى ذلك أحد منهم عن أحد ولا اختصاص لإفادة هذا* المعنى بالحالية بل يفيده التأكيد أيضا فإن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع والأصل فى الخطاب التنزيل على أكمل أحوال الشىء ولا ريب فى أن السجود معا أكمل أصناف السجود لكن شاع استعماله تأكيدا وأقيم مقام كل فى إفادة معنى الإحاطة من غير نظر إلى الكمال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر لم يكن بد من مراعاة الأصل صونا للكلام عن الإلغاء وقيل أكد بتأكيدين مبالغة فى التعميم هذا وأما أن سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الأمر التعليقى كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتى فى سورة ص أو على الأمر التنجيزى كما يستدعيه ما فى غيرهما فقد خرجنا بفضل الله عزوجل عن عهدة تحقيقه فى تفسير سورة البقرة (إِلَّا إِبْلِيسَ) استثناء متصل إما لأنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة فعد منهم تغليبا وإما لأن من الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم وقوله تعالى (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستثناء فإن مطلق عدم السجود قد يكون مع التردد وبه علم أنه مع الإباء والاستكبار أو منقطع فيتصل به ما بعده أى لكن إبليس أبى أن يكون معهم وفيه دلالة على كمال ركاكة رأيه حيث أدمج فى معصية واحدة ثلاث معاص مخالفة الأمر والاستكبار مع تحقير آدم عليه الصلاة والسلام ومفارقة الجماعة والإباء عن الانتظام فى سلك أولئك المقربين الكرام (قالَ) استئناف مبنى على سؤال من قال فماذا قال الله تعالى عند ذلك فقيل قال (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) أى أى سبب لك لا أى غرض لك كما قيل لقوله تعالى (ما مَنَعَكَ* (أَلَّا تَكُونَ) فى أن لا تكون (مَعَ السَّاجِدِينَ) لآدم مع أنهم هم ومنزلتهم فى الشرف منزلتهم وما كان التوبيخ عند وقوعه لمجرد تخلفه عنهم بل لكل من المعاصى الثلاث المذكورة قال تعالى فى سورة الأعراف (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) وفى سورة ص (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ولكن اقتصر عند الحكاية فى كل موطن على ما ذكر فيه اجتزاء بما ذكر فى موطن آخر وإشعارا بأن كل واحدة من تلك المعاصى الثلاث كافية فى التوبيخ وإظهار بطلان ما ارتكبه وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا فى سورة البقرة وسورة بنى إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه.