(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣٨)
____________________________________
كسائر من أخرت عقوباتهم إلى الآخرة من الكفرة طلب اللعين تأخير موته كما حكى عنه بقوله تعالى (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أى أمهلنى وأخرنى ولا تمتنى والفاء متعلق بمحذوف ينسحب عليه الكلام أى إذ جعلتنى رجيما فأمهلنى (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أى آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم وأراد بذلك أن يجد فسحة لإغوائهم* ويأخذ منهم ثأره وينجو من الموت لاستحالته بعد يوم البعث (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يؤذن بكون السائل تبعا لهم فى ذلك دليل على أنه إخبار بالإنظار المقدر لهم أزلالا إنشاء لإنظار خاص به وقع إجابة لدعائه أى إنك من جملة الذين أخرت آجالهم أزلا حسبما تقتضيه حكمة التكوين فالفاء ليست لربط نفس الإنظار بالاستنظار بل لربط الإخبار المذكور به كما فى قوله [فإن ترحم فأنت لذاك أهل] فإنه لا إمكان لجعل الفاء فيه لربط ما فيه تعالى من الأهلية القديمة للرحمة بوقوع الرحمة الحادثة بل هى لربط الإخبار بتلك الأهلية للرحمة بوقوعها وأن استنظاره كان طلبا لتأخير الموت إذ به يتحقق كونه من جملتهم لا لتأخير العقوبة كما قيل ونظمه فى ذلك فى سلك من أخرت عقوبتهم إلى الآخرة فى علم الله تعالى ممن سبق من الجن ولحق من الثقلين لا يلائم مقام الاستنظار مع الحياة ولأن ذلك التأخير معلوم من إضافة اليوم إلى الدين مع إضافته فى السؤال إلى البعث كما عرفته وفى سورة الأعراف (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) بترك التوقيت والنداء والفاء فى الاستنظار والإنظار تعويلا على ما ذكر ههنا وفى سورة ص فإن إيراد كلام واحد على أساليب متعددة غير عزيز فى الكتاب العزيز وأما أن كل أسلوب من أساليب النظم الكريم لا بد أن يكون له مقام يقتضيه مغاير لمقام غيره وأن ما حكى من اللعين إنما صدر عنه مرة وكذا جوابه لم يقع إلا دفعة فمقام المحاورة إن اقتضى أحد الأساليب المذكورة فهو المطابق لمقتضى الحال والبالغ الى طبقة الإعجاز وما عداه قاصر عن رتبة البلاغة فضلا عن الارتقاء إلى معالم الإعجاز فقد مر تحقيقه بتوفيق الله تعالى فى سورة الأعراف (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو وقت النفخة الأولى التى علم أنه يصعق عندها من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله تعالى ويجوز أن يكون المراد بالأيام واحدا والاختلاف فى العبارات لاختلاف الاعتبارات فالتعبير بيوم البعث لأن غرض اللعين به يتحقق وبيوم الدين لما ذكر من الجزاء وبيوم الوقت المعلوم لما ذكر أو لاستئثاره تعالى بعلمه فلعل كلا من هلاك الخلق جميعا وبعثهم وجزائهم فى يوم واحد يموت اللعين فى أوله ويبعث فى أواسطه ويعاقب فى بقيته يروى أن بين موته وبعثه أربعين سنة من سنى الدنيا مقدار ما بين النفختين ونقل عن الأحنف بن قيس رحمهالله تعالى أنه قال قدمت المدينة أريد أمير المؤمنين عمر رضى الله تعالى عنه فإذا أنا بحلقة عظيمة وكعب الأحبار فيها يحدث