(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩)
____________________________________
هذه النعمة ليست فى العموم بحسب المنشأ وبحسب المتعلق وفى الشمول للأوقات والاطراد فى الأحيان المعهودة بمثابة النعم السالفة فإنها بحسب المنشأ وخاصة بالإبل وبحسب المتعلق بالضاربين فى الأرض المتقلبين فيها للتجارة وغيرها فى أحايين غير مطردة وأما سائر النعم المعدودة فموجودة فى جميع أصناف* الأنعام وعامة لكافة المخاطبين دائما أو فى عامة الأوقات (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ولذلك أسبغ عليكم هذه النعم الجليلة ويسر لكم الأمور الشاقة (وَالْخَيْلَ) هو اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالإبل* وهو عطف على الأنعام أى خلق الخيل (وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) تعليل بمعظم منافعها وإلا فالإنتفاع* بها بالحمل أيضا مما لا ريب فى تحققه (وَزِينَةً) عطف على محل (لِتَرْكَبُوها) وتجريده عن اللام لكونه فعلا لفاعل الفعل المعلل دون الأول وتأخيره لكون الركوب أهم منه أو مصدر لفعل محذوف أى وتتزينوا بها زينة وقرىء بغير واو أى خلقها زينة لتركبوها ويجوز أن يكون مصدرا واقعا موقع الحال من فاعل* تركبوها أو مفعوله أى متزينين بها أو متزينا بها (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) أى يخلق فى الدنيا غير ما عدد من أصناف النعم فيكم ولكم ما لا تعلمون كنهه وكيفية خلقه فالعدول إلى صيفة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد أو لاستحضار الصورة أو يخلق لكم فى الجنة غير ما ذكر من النعم الدنيوية مالا تعلمون أى ما ليس من شأنكم أن تعلموه وهو ما أشير إليه بقوله صلىاللهعليهوسلم حكاية عن الله تعالى أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويجوز أن يكون هذا إخبارا بأنه سبحانه يخلق من الخلائق مالا علم لنا به دلالة على قدرته الباهرة الموجبة للتوحيد كنعمته الباطنة والظاهرة. عن ابن عباس رضى الله عنهما أن عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليهالسلام كل سحر فيغتسل فيزداد نورا إلى نور وجمالا إلى جمال وعظما إلى عظم ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون إليه إلى يوم القيامة (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) القصد مصدر بمعنى الفاعل يقال سبيل قصد وقاصد أى مستقيم على طريقة الاستعارة أو على نهج إسناد حال سالكه إليه كأنه يقصد الوجه الذى يؤمه السالك لا يعدل عنه أى حق عليه سبحانه وتعالى بموجب رحمته ووعده المحتوم بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى الحق الذى هو التوحيد بنصب الأدلة وإرسال الرسل وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه أو مصدر بمعنى الإقامة والتعديل قاله أبو البقاء أى عليه عزوجل تقويمها وتعديلها أى جعلها بحيث يصل سالكها إلى الحق لكن لا بعد ما كانت فى نفسها منحرفة عنه بل إبداعها ابتداء كذلك على نهج قوله سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل وحقيقته راجعة إلى ما ذكر من نصب الأدلة وقد فعل ذلك حيث أبدع هذه البدائع التى كل واحد منها