(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧)
____________________________________
الظرف الأول خبر للمبتدأ المذكور وفيها حال من دفء إذ لو تأخر لكان صفة (وَمَنافِعُ) هى درها* وركوبها وحملها والحراثة بها وغير ذلك وإنما عبر عنها بها ليتناول الكل مع أنه الأنسب بمقام الامتنان بالنعم وتقديم الدفء على المنافع لرعاية أسلوب الترقى إلى الأعلى (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أى تأكلون ما يؤكل* منها من اللحوم والشحوم وغير ذلك وتغيير النظم للإيماء إلى أنها لا تبقى عند الأكل كما فى السابق واللاحق فإن الدفء والمنافع والجمال يحصل منها وهى باقية على حالها ولذلك جعلت محال لها بخلاف الأكل وتقديم الظرف للإيذان بأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد فى المعاش لأن الأكل مما عداها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر من قبيل التفكه مع أن فيه مراعاة للفواصل ويحتمل أن يكون معنى الأكل منها أكل ما يحصل بسببها فإن الحبوب والثمار المأكولة تكتسب بإكراء الإبل وبإثمار نتاجها وألبانها وجلودها (وَلَكُمْ فِيها) مع ما فصل من أنواع المنافع الضرورية (جَمالٌ) أى زينة فى أعين الناس ووجاهة عندهم (حِينَ تُرِيحُونَ) تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشى (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) تخرجونها بالغداة من حظائرها* إلى مسارحها فالمفعول محذوف من كلا الفعلين لرعاية الفواصل وتعيين الوقتين لأن ما يدور عليه أمر الجمال من تزين الأفنية والأكناف بها وبتجاوب ثغائها ورغائها إنما هو عند ورودها وصدورها فى ذينك الوقتين وأما عند كونها فى المراعى فينقطع إضافتها الحسية إلى أربابها وعند كونها فى الحظائر لا يراها راء ولا ينظر إليها ناظر وتقديم الإراحة على السرح لتقدم الورود على الصدور ولكونها أظهر منه فى استتباع ما ذكر من الجمال وأتم فى استجلاب الأنس والبهجة إذ فيها حضور بعد غيبة وإقبال بعد إدبار على أحسن ما يكون ملأى البطون مرتفعة الضلوع حافلة الضروع وقرىء حينا تريحون وحينا تسرحون على أن كلا الفعلين وصف لحينا بمعنى تريحون فيه وتسرحون فيه (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) جمع ثقل وهو متاع المسافر وقيل أثقالكم أجرامكم (إِلى بَلَدٍ) قال ابن عباس رضى الله عنهما أريد به اليمن ومصر* والشام ولعله نظر إلى أنها متاجر أهل مكة وقال عكرمة أريد به مكة ولعله نظر إلى أن أثقالهم وأحمالهم عند القفول من متاجرهم أكثر وحاجتهم إلى الحمولة أمس والظاهر أنه عام لكل بلد سحيق (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) واصلين إليه بأنفسكم مجردين عن الأثقال لو لا الإبل (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) فضلا عن استصحابها* معكم وقرىء بفتح الشين وهما لغتان بمعنى الكلفة والمشقة وقيل المفتوح مصدر من شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذى هو الصدع والمكسور النصف كأنه يذهب نصف القوة لما يناله من الجهد فالإضافة إلى الأنفس مجازية أو على تقدير مضاف أى وإلا بشق قوى الأنفس وهو استثناء مفرغ من أعم الأشياء أى لم تكونوا بالغيه بشىء من الأشياء إلا بشق الأنفس ولعل تغيير النظم الكريم السابق الدال على كون الأنعام مدارا للنعم السابقة إلى الجملة الفعلية المفيدة لمجرد الحدوث للإشعار بأن