(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥)
____________________________________
الشأن أقول لكم أنذروا أو مفسرة على أن تنزيل الملائكة بالوحى فيه معنى القول كأنه قيل يقول بواسطة الملائكة لمن يشاء من عباده أنذروا فلا محل لها من الإعراب أو مصدرية لجواز كون صلتها إنشائية كما فى قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) حسبما ذكر فى أوائل سورة هود فمحلها الجر على البدلية أيضا والإنذار الإعلام خلا أنه مختص بإعلام المحذور من نذر بالشىء إذا علمه فحذره وأنذره بالأمر إنذارا أى أعلمه وحذره وخوفه فى إبلاغه* كذا فى القاموس أى أعلموا الناس (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) فالضمير للشأن ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن التصريح به وفائدة تصدير الجملة به الإيذان من أول الأمر بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقرير له فى الذهن فإن الضمير لا يفهم منه ابتداء إلا شأن مبهم له خطر فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه فيتمكن لديه عند وروده فضل تمكن كأنه قيل أنذروا أن الشأن الخطير هذا وأنباء مضمونه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصاف المنذرين بما يضاده من الإشراك وذلك كاف فى كون إعلامه إنذارا* وقوله سبحانه (فَاتَّقُونِ) خطاب للمستعجلين على طريقة الالتفات والفاء فصيحة أى إذا كان الأمر كما ذكر من جريان عادته تعالى بتنزيل الملائكة على الأنبياء عليهمالسلام وأمرهم بأن ينذروا الناس أنه لا شريك له فى الألوهية فاتقون فى الإخلال بمضمونه ومباشرة ما ينافيه من الإشراك وفروعه التى من جملتها الاستعجال والاستهزاء وبعد تمهيد الدليل السمعى للتوحيد شرع فى تحرير الأدلة العقلية فقيل (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أى أوجدهما على ما هما عليه من الوجه الفائق والنمط اللائق (تَعالى) * وتقدس بذاته لا سيما بأفعاله التى من جملتها إبداع هذين المخلوقين (عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن إشراكهم المعهود أو عن شركة ما يشركونه به من الباطل الذى لا يبدىء ولا يعيد وبعد ما نبه على صنعه الكلى المنطوى على تفاصيل مخلوقاته شرع فى تعداد ما فيه من خلائقه فبدأ بفعله المتعلق بالأنفس فقال (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أى* هذا النوع غير الفرد الأول منه (مِنْ نُطْفَةٍ) جماد لا حس له ولا حراك سيال لا يحفظ شكلا ولا وضعا* (فَإِذا هُوَ) بعد الخلق (خَصِيمٌ) منطيق مجادل عن نفسه مكافح للخصوم (مُبِينٌ) لحجته لقن بها وهذا أنسب بمقام الامتنان بإعطاء القدرة على الاستدلال بذلك على قدرته تعالى ووحدته أو مخاصم لخالقه منكر له قائل من يحيى العظام وهى رميم وهذا أنسب بمقام تعداد هنات الكفرة روى أن أبى بن خلف الجمحى أنى النبى صلىاللهعليهوسلم بعظم رميم فقال يا محمد أترى الله تعالى يحيى هذا بعد ما قدرم فنزلت (وَالْأَنْعامَ) وهى* الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز وانتصابه بمضمر يفسره قوله تعالى (خَلَقَها) أو بالعطف* على الإنسان وما بعده بيان ما خلق لأجله والذى بعده تفصيل لذلك وقوله تعالى (لَكُمْ) إما متعلق بخلقها* وقوله (فِيها) خبر مقدم وقوله (دِفْءٌ) مبتدأ وهو ما يدفأ به فيقى من البرد والجملة حال من المفعول أو