(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢)
____________________________________
العموم لأن المراد بأمر الله إنما هو الساعة وقد عرفت استحالة صدور استعجالها عن المؤمنين نعم يجوز تخصيص الخطاب بهم على تقدير كون أمر الله عبارة عن العذاب الموعود للكفرة خاصة لكن الذى يقضى به الإعجاز التنزيلى أنه خاص بالكفرة كما ستقف عليه ولما كان استعجالهم ذلك من نتائج إشراكهم المستتبع لنسبة الله عزوجل إلى مالا يليق به من العجز والاحتياج إلى الغير واعتقاد أن احدا يحجزه عن إنجاز وعده وإمضاء وعيده وقد قالوا فى تضاعيفه إن صح مجىء العذاب فالأصنام تخلصنا عنه بشفاعتها رد ذلك فقيل بطريق الاستئناف (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أى تنزه وتقدس بذاته وجل عن* إشراكهم المؤدى إلى صدور أمثال هذه الأباطيل عنهم أو عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم بوجه من الوجوه وصيغة الاستقبال للدلالة على تجدد إشراكهم واستمراره والالتفات إلى الغيبة للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم للإعراض عنهم وطرحهم عن رتبة الخطاب وحكاية شنائعهم لغيرهم وعلى تقدير تخصيص الخطاب بالمؤمنين تفوت هذه النكتة كما يفوت ارتباط المنهى عنه بالمتنزه عنه وقرىء على صيغة الخطاب (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بيان لتحتم التوحيد حسبما نبه عليه تنبيها إجماليا ببيان تقدس جناب الكبرياء وتعاليه عن أن يحوم حوله شائبة أن يشاركه شىء فى شىء وإيذان بأنه دين أجمع عليه جمهور الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام وأمروا بدعوة الناس إليه مع الإشارة إلى سر البغتة والتشريع وكيفية إلقاء الوحى والتنبيه على طريق علم الرسول صلىاللهعليهوسلم بإتيان ما اوعدهم به وباقترابه إزاحة لاستبعادهم اختصاصه عليه الصلاة والسّلام بذلك وإظهارا لبطلان رأيهم فى الاستعجال والتكذيب وإيثار صيغة الاستقبال للإشعار بأن ذلك عادة مستمرة له سبحانه والمراد بالملائكة إما جبريل عليهالسلام قال الواحدى يسمى الواحد بالجمع إذا كان رئيسا أو هو ومن معه من حفظة الوحى بأمر الله تعالى وقرىء ينزل من الإنزال وتنزل بحذف إحدى التاءين وعلى صيغة المبنى للمفعول من التنزيل (بِالرُّوحِ) أى بالوحى الذى من جملته* القرآن على نهج الاستعارة فإنه يحيى القلوب الميتة بالجهل أو يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد والباء متعلقة بالفعل أو بما هو حال من مفعوله أى ملتبسين بالروح (مِنْ أَمْرِهِ) بيان للروح الذى أريد به* الوحى فإنه أمر بالخير أو حال منه أى حال كونه ناشئا ومبتدا منه أو صفة له على رأى من جوز حذف الموصول مع بعض صلته أى بالروح الكائن من أمره الناشىء منه أو متعلق بينزل ومن للسببية كالباء مثل ما فى قوله تعالى (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أى ينزلهم بأمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أن ينزلهم به عليهم لاختصاصهم* بصفات تؤهلهم لذلك (أَنْ أَنْذِرُوا) بدل من الروح أى ينزلهم ملتبسين بأن أنذروا أى بهذا القول* والمخاطبون به الأنبياء الذين نزلت الملائكة عليهم والآمر هو الله سبحانه والملائكة نقلة للأمر كما يشعر به الباء فى المبدل منه وأن إما مخففة من أن وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف أى ينزلهم ملتبسين بأن