(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) (٢٩)
____________________________________
رآه أو سمعه ويمنعه من تعاطى ما يفضى إليه ومحله النصب على أنه مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله كأنه قيل نكل الله به نكال الآخرة والأولى وهو الإحراق فى الآخرة والإغراق فى الدنيا وقيل مصدر لأخذ أى أخذه الله أخذ نكال الآخرة الخ وقيل مفعول له أى أخذه لأجل نكال الخ وقيل نصب على نزع الخافض أى أخذه بنكال الآخرة والأولى وإضافته إلى الدارين باعتبار وقوع نفس الأخذ فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فإن ذلك لا يتصور فى الآخرة بل فى الدنيا فإن العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطى ما يؤدى إليها لا محالة وقيل المراد بالآخرة والأولى قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وقوله (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قيل كان بين الكلمتين أربعون سنة فالإضافة إضافة المسبب إلى السبب (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل وما فعل به (لَعِبْرَةً) عظيمة (لِمَنْ يَخْشى) أى لمن من شأنه أن يخشى وهو من من شأنه المعرفة وقوله تعالى (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) خطاب لأهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته فى زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعد ما بين كمال سهولته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى بقوله تعالى (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أى أخلقكم بعد موتكم أشد أى أشق وأصعب فى تقديركم (أَمِ السَّماءُ) أى أم خلق السماء على عظمها وانطوائها على* تعاجيب البدائع التى تحار العقول عن ملاحظة أدناها كقوله تعالى (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وقوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) وقوله تعالى (بَناها) الخ بيان وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قوله (أَمِ السَّماءُ) وفى عدم ذكر الفاعل فيه وفيما* عطف عليه من الأفعال من التنبيه على تعينه وتفخيم شأنه عزوجل ما لا يخفى وقوله تعالى (رَفَعَ سَمْكَها) بيان للبناء أى جعل مقدار ارتفاعها من الأرض وذهابها إلى سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام (فَسَوَّاها) فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور أو فتممها بما علم أنها تتم به من الكواكب* والتداوير وغيرها مما لا يعلمه إلا الخلاق العليم من قولهم سوى أمر فلان إذا صلحه (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أى جعله مظلما يقال غطش الليل وأغطشه الله تعالى كما يقال ظلم وأظلمه وقد مر هذا فى قوله تعالى (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) ويقال أيضا أغطش الليل كما يقال أظلم (وَأَخْرَجَ ضُحاها) أى أبرز نهارها عبر* عنه بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها فكان أحق بالذكر فى مقام الامتنان وهو السر فى تأخير ذكره عن ذكر الليل وفى التعبير عن إحداثه بالإخراج فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم فى الإنعام