(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢)
____________________________________
وأكمل فى الإحسان وإضافة الليل والضحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتهما ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطة الشمس أى أبرز ضوء شمسها والتعبير عنه بالضحى لأنه وقت قيام سلطانها وكمال إشراقها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أى بسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلبهم فى أقطارها وانتصاب الأرض بمضمر يفسره دحاها (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها) بأن فجر منها عيونا وأجرى أنهارا* (وَمَرْعاها) أى رعيها وهو فى الأصل موضع الرعى وقيل هو مصدر ميمى بمعنى مفعول وتجريد الجملة عن العاطف إما لأنها بيان وتفسير لدحاها وتكملة له فإن السكنى لا تتأتى بمجرد البسط والتمهيد بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب حتما وإما لأنها حال من فاعله بإضمار قد عند الجمهور أو بدونه عند الكوفيين والأخفش كما فى قوله تعالى (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (وَالْجِبالَ) منصوب* بمضمر يفسره (أَرْساها) أى أثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها فى مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسى ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه عزوجل ولولاه لما ثبتت فى أنفسها فضلا عن إثباتها للأرض وقرىء والأرض والجبال بالرفع على الابتداء ولعل تقديم إخراج الماء والمرعى ذكرا مع تقدم الإرساء عليه وجودا وشدة تعلقه بالدحو لإبراز كمال الاعتناء بأمر المأكل والمشرب مع ما فيه من دفع توهم رجوع ضميرى الماء والمرعى إلى الجبال وهذا كما ترى يدل بظاهره على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء وما فيها كما يروى عن الحسن من أنه تعالى خلق الأرض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليه دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر فى موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الآية وقد مر فى سورة حم السجدة أن قوله تعالى (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ـ إلى قوله تعالى ـ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) الآية إن حمل ما فيه من الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة لا على تقديرها فهو وما فى سورة البقرة من قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) يدلان على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه إطباق أكثر أهل التفسير وقد روى أن العرش كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ثم إنه تعالى أحدث فى الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فأما الزبد فبقى على وجه الماء فخلق منه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات وروى أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم