(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥)
____________________________________
ردع له عليه الصلاة والسلام عما عوتب عليه من التصدى لمن استغنى عما دعاه إليه من الإيمان والطاعة وما يوجبهما من القرآن الكريم مبالغا فى الاهتمام بأمره متهالكا على إسلامه معرضا بسبب ذلك عن إرشاد من يسترشده وقوله تعالى (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) أى موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها تعليل* للردع عما ذكر ببيان علو رتبة القرآن العظيم الذى استغنى عنه من تصدى عليه الصلاة والسلام له وتحقيق أن شأنه أن يكون موعظة حقيقة بالاتعاظ بها فمن رغب فيها اتعظ بها كما نطق به قوله تعالى (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أى حفظه واتعظ به ومن رغب عنها كما فعل المستغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره فالضميران للقرآن وتأنيث الأول لتأنيث خبره وقيل الأول للسورة أو للآيات السابقة والثانى للتذكرة والتذكير لأنها فى معنى الذكر والوعظ وليس بذاك فإن السورة والآيات وإن كانت متصفة بما سيأتى من الصفات الشريفة لكنها ليست مما ألقى على من استغنى عنه واستحق بسبب ذلك ما سيأتى من الدعاء عليه والتعجب من كفره المفرط لنزولها بعد الحادثة وأما من جوز رجوعهما إلى العتاب المذكور فقد أخطأ وأساء الأدب وخبط خبطا يقضى منه العجب فتأمل وكن على الحق المبين وقوله تعالى (فِي صُحُفٍ) متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض جىء به للترغيب فيها والحث على حفظها أى كائنة فى صحف منتسخة من اللوح أو خبر ثان لأن (مُكَرَّمَةٍ) عند الله عزوجل (مَرْفُوعَةٍ) أى فى السماء السابعة أو مرفوعة المقدار والذكر (مُطَهَّرَةٍ) منزهة عن مساس أيدى الشياطين (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) أى كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على أنه جمع سافر من السفر وهو الكتب وقيل بأيدى رسل من الملائكة يسفرون بالوحى بينه تعالى وبين الأنبياء على أنه جمع سفير من السفارة وحملهم على الأنبياء عليهمالسلام بعيد فإن وظيفتهم التلقى من الوحى لا الكتب منه وإرشاد الأمة بالأمر والنهى وتعليم الشرائع والأحكام لا مجرد السفارة إليهم وكذا حملهم على القراء لقراءتهم الأسفار أو على أصحابه عليه الصلاة والسلام وقد قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة قال القفال لما لم يمسها إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها وقال القرطبى إن المراد بما فى قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) هؤلاء السفرة الكرام البررة.