(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤)
____________________________________
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) تهديد للطاغى وتحذير له من عاقبة الطغيان والالتفات للتشديد فى التهديد والرجعى مصدر بمعنى الرجوع كالبشرى وتقديم الجار والمجرور عليه لقصره عليه أى إن إلى مالك أمرك رجوع الكل بالموت والبعث لا إلى غيره استقلالا ولا اشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك وقوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) (عَبْداً إِذا صَلَّى) تقبيح وتشنيع لحاله وتعجيب منها وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يجب أن يراها كل من يتأتى منه الرؤية ويقضى منها العجب. روى أن أبا جهل قال فى ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن عنقه فرآه عليهالسلام فى الصلاة فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك قال إن بينى وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فنزلت ولفظ العبد وتنكيره لتفخيمه عليهالسلام واستعظام النهى وتأكيد التعجب منه والرؤية ههنا بصرية وأما ما فى قوله تعالى (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) وما فى قوله تعالى (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فقلبية معناه أخبرنى فإن الرؤية لما كانت سببا للإخبار عن المرئى أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها والخطاب لكل من صلح للخطاب ونظم الأمر والتكذيب والتولى فى سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس باعتبار نفس الأفعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فإن ذلك ليس فى حيز التردد أصلا بل باعتبار أوصافها التى هى كونها أمرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا كما فى قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) كما مر والمفعول الأول لأرأيت محذوف وهو ضمير يعود إلى الموصول أو اسم إشارة يشار به إليه ومفعوله الثانى سد مسده الجملة الشرطية بجوابها المحذوف فإن المفعول الثانى لأرأيت لا يكون إلا جملة استفهامية أو قسمية والمعنى أخبرنى ذلك الناهى إن كان على الهدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو مكذبا للحق معرضا عن الصوب كما نقول نحن (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) أى يطلع على أحواله فيجازيه