والّذي يدل على صحة هذا القول : أن الشيء اذا صار معدوما ، فانه بعد العدم بقى جائز الوجود. والله تعالى قادر على جميع الجائزات ، فوجب القطع بكونه تعالى قادرا على اعادته بعينه ، بعد العدم.
وانما قلنا : انه بعد عدمه بقى جائز الوجود ، لأنه قبل عدمه جائز (١) الوجود. وهذا الجواز اما أن يكون من لوازم حقيقته ، واما أن يكون من عوارض حقيقته. فان كان من لوازم حقيقته ، وجب أن لا يزول. وان كان من عوارض حقيقته ، كانت تلك الحقيقة بحيث يجوز عليها ذلك الجواز فينتقل الكلام الى جواز الجواز ، ولا يتسلسل ، بل ينتهى بالآخرة الى جواز ، هو من لوازم الحقيقة. وهذا نقيض حصول هذا الجواز حالتى الوجود والعدم. فثبت بهذا : أن الجواز حاصل أبدا. وأما أنه تعالى قادر على كل الجائزات ، فقد تقدم اثباته. ويلزم من مجموع الأمرين كونه تعالى قادرا على اعادة المعدوم.
فان قيل : قولكم : «هذا الجواز لازم لماهيته ، فيبقى الجواز ببقاء الماهية».
قلنا : هذا الكلام متين ، الا أنه مبنى على أن الماهية باقية حال العدم. وهذا لا يتم الا مع القول بأن المعدوم شيء ، وأنتم لا تقولون به.
والجواب : ان بطلان الماهية حال العدم ، لا يمنع من الحكم عليها بالجواز والامتناع. ويدل عليه وجوه :
أحدها : ان صريح العقل يحكم بأن هذا المحدث كان جائز الحدوث قبل أن حدث. وهذا الّذي حكم العقل عليه بالجواز ، ليس هو الماهية ، لأن الماهية لو كانت واجبة التقرر والتحقق ، حالتى الوجود والعدم
__________________
(١) لأنه كان عند الوجود جائز : ا