الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، فكل ما صح على واحد منها ، صح على كلها. وتقرير هاتين المقدمتين : قد تقدم فى مسألة اثبات الصانع ـ سبحانه وتعالى ـ
الحجة الثانية : ان كل واحد من هذه الأفلاك. اما أن يكون بسيطا أو مركبا من البسائط. وكل ما كان بسيطا ، فان كل واحد من جانبيه متساويان فى تمام الماهية. اذ لو لم يكن كذلك ، لكن البسيط مركبا. هذا خلف. واذا كان كل واحد من جانبيه متساويين فى تمام الماهية للجانب الآخر ، فكل ما صح على أحد الجانبين صح على الآخر. فكما أن فلك القمر يصح أن يماس بمقعره النار وبمحدبه كرة عطارد ، وجب أن يكون عكسه ممكنا. ومتى كان ذلك ممكنا كان الخرق والالتئام جائزين على الأفلاك.
وأما الفلاسفة فقد احتجوا على امتناع ذلك ، بأن قالوا : الخرق والالتئام لا يحصلان الا بالحركة المستقيمة ، لكن الحركة المستقيمة على أجرام الفلك ممتنعة ، فوجب القطع بامتناع الخرق والالتئام عليها.
والجواب : ان هذا الكلام ـ وان صح ـ لكن لا يتمشى الا فى الفلك الّذي هو الجسم المحدد للجهات. وهو الفلك الأقصى. وأما سائر الأفلاك فلا يجرى فيها البتة.
قال المصنف : وأنا أتعجب هاهنا من هؤلاء الفلاسفة. فانهم انما عولوا فى امتناع الخرق والالتئام على الأفلاك على هذا الدليل فقط ثم ان هذا الدليل ، لا ينتج هذا المطلوب ، الا فى الفلك الأقصى. أما سائر الأفلاك. فهذا الدليل لا يجرى فيها البتة. وكيف اكتفوا فى اثبات الدعوى العامة بالدليل الخاص؟