الحجة الرابعة : التمسك بقوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء ١٠٤] حكم بأن الاعادة على وفق الابتداء ، ولما كان الابتداء عبارة عن خلق الذوات وخلق التركيب والتأليف فيها ، وجب أن يكون وقت الاعادة لخلق الذوات بخلق التركيب والتأليف فيها ، حتى يكون وقت الاعادة مشابها لوقت الابتداء.
فهذه جملة الوجوه التى يتمسك بها من قطع بأن الله تعالى يعدم الذوات ويفنى الأجسام.
* * *
وأما الذين قالوا : انه تعالى يفرق الأجزاء ، ولكن لا يعدمها : فاعلم أنهم انما اختاروا هذا القول ، لأن عندهم اعادة المعدوم ممتنعة. قالوا : فعلى هذا لو أنه سبحانه وتعالى أعدم الأجزاء والذوات ، لكان الّذي يوجده بعد ذلك مغايرا لتلك الأشياء التى عدمت أولا ، وعلى هذا التقدير لا يكون الثواب واصلا الى المطيع ، ولا يكون العقاب واصلا الى العاصى. وذلك غير جائز ، فلأجل الفرار عن هذا الاشكال قالوا : إنه تعالى يفرق الأجزاء ويزيل التأليف عنها ، ولكنه تعالى لا يعدمها. فاذا أعاد التأليف إليها وخلق الحياة فيها مرة أخرى ، كان هذا الشخص هو عين ذلك الشخص ، الّذي كان موجودا قبل ذلك ، فحينئذ يصل الثواب الى المطيع والعقاب الى العاصى ، ويزول الاشكال المذكور.
واعلم : أن اعادة المعدوم ان كانت جائزة. فهذا الاشكال زائل. وان كانت ممتنعة ، فهذا الاشكال لازم. سواء قلنا : انه تعالى يعدم الأجزاء ، أو قلنا : إنه لا يعدمها. وتقرير ذلك : ان المشار إليه لكل أحد بقوله : «أنا» ليس هو مجرد تلك الأجزاء. وذلك لأنا لو قدرنا أن هذه الأجزاء تفرقت وصارت ترابا رسميا من غير حياة ولامزاج ولا تركيب ولا تأليف ، فان كل أحد يعلم أن ذلك القدر من التراب الصرف ليس عبارة عن «زيد» بل الانسان المعين انما يكون موجودا ، اذا