الذوات هلكت ، فلما قال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) علمنا : أن الذوات لا تبقى بل تفنى وتصير معدومة.
أجاب القائلون بأن الله تعالى لا يعدم الذوات. فقالوا : الهلاك عبارة عن خروج الشيء عن كونه ممتنعا. واذا تفرقت أجزاء السموات والأرض ، فقد خرجت عن كونها منتفعا بها. ويكفى هذا القدر فى صدق قولنا : انها هلكت.
أجاب المستدل الأول : بأنها اذا تفرقت فقد خرجت السماء عن كونها منتفعا بها. أما أنه ما خرجت تلك الأجزاء عن كونها منتفعا بها ، فلأن تلك الأجزاء صالحة لأن تتركب منها السموات والعناصر والجنة والنار ، وصالحة لأن يستدل بها على الصانع القديم. فثبت : أن المركبات وان خرجت عن كونها منتفعا بها ، بسبب التفريق. فتلك الأجزاء والذوات ، ما خرجت عن كونها منتفعا بها. فثبت : ان الأجزاء والذوات لو بقيت ، لما صدق عليها أنها هلكت. والقرآن يدل على أن لكل يصير هالكا ، فوجب القطع بأن الأجزاء تفنى.
الحجة الثانية : التمسك بقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم ٢٧] ولفظ «الخلق» متناول لجميع المخلوقات ، والضمير فى قوله «يعيده» عائد الى الخلق ، فدلت هذه الآية على أنه تعالى يعيد جميع مخلوقاته ، والاعادة لا تعقل الا بعد تقدم الافناء ، فدل هذا على أنه تعالى يفنى جميع مخلوقاته.
الحجة الثالثة : التمسك بقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) [الحديد ٣] معنى كونه أولا : هو أنه تعالى كان موجودا فى الأزل ، مع أنه ما كان معه غيره وكذلك معنى الآخر : هو أنه تعالى يبقى فى الأبد مع أنه لا يكون معه غيره. وهذا يقتضي أنه تعالى يعدم جميع المخلوقات حتى يتحقق كونه آخرا ، ثم يعيدها مرة أخرى ، ليتحقق صدق الآيات الدالة على أن الثواب والعقاب ، لا آخر لهما.