طمع فيه من قومه حين دعوه ، ولما رأى من مباعدتهم إياه.
وهكذا رواه زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق : حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس فذكر مثله سواء.
وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له ، لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادا لأجيبوا إليه ، ولكن علم أنهم إنما يطالبون ذلك كفرا وعنادا له ، فقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن شئت أعطيناهم ما سألوا ، فإن كفروا عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة؟ فقال : «بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة ، كما تقدم ذلك في حديثي ابن عباس والزبير بن العوام أيضا عند قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩]. وقال تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) [الفرقان : ٧ ـ ١١].
وقوله تعالى (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الينبوع : العين الجارية ، سألوه أن يجري لهم عيونا معينا في أرض الحجاز هاهنا وهاهنا وذلك سهل على الله تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوه وطلبوا ولكن علم أنهم لا يهتدون كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٩٦ ـ ٩٧] وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) [الأنعام : ١١١] الآية.
وقوله تعالى : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ) أي أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهوي وتدلي أطرافها ، فاجعل ذلك في الدنيا وأسقطها كسفا ، أي قطعا كقوله (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] الآية ، وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء : ١٨٧] فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم ، وأما نبي الرحمة ونبي التوبة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجيلهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا ، وكذلك وقع فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتى عبد الله بن أمية الذي تبع النبي صلىاللهعليهوسلم وقال له ما قال ، أسلم إسلاما تاما وأناب إلى الله عزوجل.