السلام آيات أخر كثيرة ، منها ضربة الحجر بالعصا ، وخروج الماء منه ، ومنها تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى ، وغير ذلك مما أوتيه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر ، فكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرا وجحودا.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا يزيد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) فقال : لا تقل له نبي ، فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين ، فسألاه ، فقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ـ أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك ـ وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت» فقبلا يديه ورجليه ، وقالا : نشهد أنك نبي. قال : «فما يمنعكما أن تتبعاني؟» قالا : لأن دوادعليهالسلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود (٢). فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج به ، وقال الترمذي : حسن صحيح. وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء ، وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون ، والله أعلم.
ولهذا قال موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) أي حججا وأدلة على صدق ما جئتك به (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) أي هالكا ، قاله مجاهد وقتادة ، وقال ابن عباس : ملعونا ، وقال أيضا هو والضحاك (مَثْبُوراً) أي مغلوبا ، والهالك كما قال مجاهد يشمل هذا كله ، قال الشاعر عبد الله بن الزبعرى : [الخفيف]
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي |
|
ومن مال ميله مثبور (٣) |
وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله علمت ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] الآية ، فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من
__________________
(١) المسند ٤ / ٢٣٩.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١٧ ، باب ١٥ ، والنسائي في التحريم باب ١٨.
(٣) البيت لابن الزبعرى في تفسير البحر المحيط ٦ / ٦٧ ، والجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٣٣٨ ، وسيرة ابن هشام ٢ / ٤١٩ ، وتفسير الطبري ٨ / ١٥٩.