تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨] وقال تعالى : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٥] وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٥ ـ ١٠٦ ـ ١٠٧] يذكر تعالى أنه تذهب الجبال ، وتتساوى المهاد ، وتبقى الأرض قاعا صفصفا ، أي سطحا مستويا لا عوج فيه ولا أمتا ، أي لا وادي ولا جبل ، ولهذا قال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) أي بادية ظاهرة ليس فيها معلم لأحد ، ولا مكان يواري أحدا ، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية. قال مجاهد وقتادة (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) لا خمر فيها ولا غيابة قال قتادة : لا بناء ولا شجر.
وقوله : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) وأي وجمعناهم الأولين منهم والآخرين ، فلم نترك منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا ، كما قال : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الواقعة : ٤٩ ـ ٥٠] وقال : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود : ١٠٣]. وقوله : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) يحتمل أن يكون المراد أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفا واحدا ، كما قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨] ويحتمل أنهم يقومون صفوفا ، كما قال : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] وقوله : (لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هذا تقريع للمنكرين للمعاد ، وتوبيخ لهم على رؤوس الأشهاد ، ولهذا قال تعالى مخاطبا لهم : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن.
وقوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير ، والفتيل والقطمير ، والصغير والكبير ، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) أي من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) أي يا حسرتنا وويلنا على ما فرطنا في أعمارنا (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) أي لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا وإن صغر ، إلا أحصاها ، أي ضبطها وحفظها.
وروى الطبراني بإسناده المتقدم في الآية قبلها إلى سعد بن جنادة قال : لما فرغ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من غزوة حنين ، نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اجمعوا من وجد عودا فليأت به ، ومن وجد حطبا أو شيئا فليأت به» قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا ، فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، فإنها محصاة عليه».
وقوله : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) أي من خير وشر ، كما قال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠] الآية ، وقال تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما