فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) فهدمه ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس له عليه صبر فأقامه ، قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة ، ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عمله.
قال : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) وفي قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عبتها لأرده عنها ، فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها ، (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً. وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي ما فعلته عن نفسي (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٨٢] فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما.
وقال العوفي عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله أن ذكرهم بأيام الله ، فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال : كلم الله نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه ، وأنزل عليّ محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرؤون التوراة ، فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم إلا وعرفهم إياها ، فقال له رجل من بني إسرائيل : هم كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول : فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا. فبعث الله جبرائيل إلى موسى عليهالسلام فقال : إن الله يقول : وما يدريك أين أضع علمي ، بلى إن لي على شط البحر رجلا هو أعلم منك.
قال ابن عباس : هو الخضر ، فسأل موسى ربه أن يريه إياه ، فأوحى إليه أن ائت البحر ، فإنك تجد على شط البحر حوتا ، فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطئ البحر ، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب. فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) لك ، قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب من ذلك ، فرجع موسى حتى أتى الصخرة ، فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى ، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس عنه الماء حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقى الخضر بها ،