طويلا عجيبا في سير ذي القرنين وبنائه السد وكيفية ما جرى له وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها والله أعلم.
وقوله : (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) أي لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أجرا عظيما يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا لهم من بينهم ما لا يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سدا فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه كما قال سليمان عليهالسلام (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) [النمل : ٣٦] الآية وهكذا قال ذو القرنين : الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) والزبر جمع زبرة وهي القطعة منه قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وهي كاللبنة يقال كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه.
(حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) أي وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولا وعرضا واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال (قالَ انْفُخُوا) أي أجج عليه النار حتى صار كله نارا (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي هو النحاس زاد بعضهم المذاب ويستشهد بقوله تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) [سبأ : ١٢] ولهذا يشبه بالبرد المحبر.
قال ابن جرير (١) : حدثنا بشر عن يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا قال يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال «انعته لي» قال كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال «قد رأيته» هذا حديث مرسل.
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته أحد أمرائه وجهز معه جيشا سرية لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا فتوصلوا من هناك إلى بلاد ومن ملك إلى ملك حتى وصلوا إليه ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس وذكروا أنهم رأوا فيه بابا عظيما وعليه أقفال عظيمة ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك ، وأن عنده حرسا من الملوك المتاخمة له وأنه عاقل منيف شاهق لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال ثم رجعوا إلى بلادهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتين وشاهدوا أهوالا وعجائب. ثم قال الله تعالى.
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ
__________________
(١) تفسير الطبري ٨ / ٢٨٥.