وقوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) يقول : ورحمة من عندنا ، وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك وزاد : لا يقدر عليها غيرنا ، وزاد قتادة : رحم الله بها زكريا. وقال مجاهد : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) وتعطفا من ربه عليه. وقال عكرمة: (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) قال : محبة عليه. وقال ابن زيد أما الحنان فالمحبة ، وقال عطاء بن أبي رباح : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) قال : تعظيما من لدنا ، وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة عن ابن عباس أنه قال : لا والله ما أدري ما حنانا (١).
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير عن منصور ، سألت سعيد بن جبير عن قوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) فقال : سألت عنها ابن عباس فلم يجد فيها شيئا ، والظاهر من السياق أن قوله وحنانا معطوف على قوله (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي وآتيناه الحكم وحنانا وزكاة ، أي وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل ، كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها وحنت المرأة على زوجها ، ومنه سميت المرأة حنة من الحنّة ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، كما قال الشاعر : [المتقارب]
تحنّن عليّ هداك المليك |
|
فإن لكلّ مقام مقالا (٣) |
وفي المسند للإمام أحمد (٤) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة : يا حنان يا منان» وقد يثني ، ومنهم من يجعل ما ورد في ذلك لغة بذاتها ، كما قال طرفة : [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض (٥) |
وقوله : (وَزَكاةً) معطوف على وحنانا ، فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب ، وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح ، وقال الضحاك وابن جريج : العمل الصالح الزكي. وقال العوفي عن ابن عباس (وَزَكاةً) قال : بركة ، (وَكانَ تَقِيًّا) ذا طهر فلم يهمّ بذنب.
وقوله (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٨ / ٣١٦.
(٢) هذا الأثر لم أجده بهذا اللفظ في تفسير الطبري.
(٣) البيت للحطيئة في ديوانه ص ٧٢ ، وتخليص الشواهد ص ٢٠٦ ، والدرر ٣ / ٦٤ ، ولسان العرب (قول) ، (حنن) ، وتاج العروس (قول) ، (حنن) ، وبلا نسبة في العقد الفريد ٥ / ٤٩٣ ، والمقتضب ٣ / ٢٢٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٩ ، وتفسير الطبري ٨ / ٣١٧.
(٤) المسند ٣ / ٢٣٠.
(٥) البيت في ديوان طرفة بن العبد ص ٦٦ ، والدرر ٣ / ٦٧ ، والكتاب ١ / ٣٤٨ ، ولسان العرب (حنن) وهمع الهوامع ١ / ١٩٠ ، وتاج العروس (حنن) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٢٧٣ ، وشرح المفصل ١ / ١١٨ ، والمقتضب ٣ / ٢٢٤.