جاءه وقال ابن شوذب : بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنا.
وقد روى أبو داود في سننه ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه مكارم الأخلاق ، من طريق إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم يعني ابن عبد الله بن شقيق ، عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء ، قال : بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، فبقيت له علي بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، قال : فنسيت يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك ، فقال لي : «يا فتى لقد شققت عليّ ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك» (١) لفظ الخرائطي وساق آثارا حسنة في ذلك ، ورواه ابن مندة أبو عبد الله في كتاب معرفة الصحابة بإسناده عن إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم به.
وقال بعضهم : إنما قيل له : (صادِقَ الْوَعْدِ) لأنه قال لأبيه : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢] فصدق في ذلك ، فصدق الوعد من الصفات الحميدة كما أن خلفه من الصفات الذميمة ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢ ـ ٣] وقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان» (٢) ولما كانت هذه صفات المنافقين ، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين ، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد ، وكذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم صادق الوعد أيضا لا يعد أحدا شيئا إلا وفي له به ، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، فقال : «حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي» (٣) ولما توفي النبي صلىاللهعليهوسلم قال الخليفة أبو بكر الصديق : من كان له عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم عدة أو دين فليأتني أنجز له ، فجاء جابر بن عبد الله فقال إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو كان جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» يعني ملء كفيه ، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرا فغرف بيديه من المال ، ثم أمره بعده فإذا هو خمسمائة درهم فأعطاه مثليها معها.
وقوله : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ، لأنه إنما وصف بالنبوة فقط ، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة. وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل» (٤) وذكر تمام الحديث ، فدل على صحة ما قلناه. وقوله : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) هذا أيضا من الثناء الجميل والصفة الحميدة ، والخلة السديدة ، حيث كان مثابرا على طاعة ربه عزوجل ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٢.
(٢) أخرجه البخاري في الشهادات باب ٢٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٧ ، ١٠٩.
(٣) أخرجه البخاري في الشروط باب ٦ ، والشهادات باب ٢٨ ، وفضائل أصحاب النبي باب ١٦ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٩٥.
(٤) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ١ ، والترمذي في المناقب باب ١ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٠٧.