رجلا من آل فرعون آخر ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى فندم على ما كان منه وكره الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٨] ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني ، فخاف أن يكون بعد ما قال له إنك لغوي مبين ، أن يكون إياه أراد ، ولم يكن أراده إنما أراد الفرعوني.
فخاف الإسرائيلي وقال : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ، وإنما قاله مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله ، فتتاركا وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ، فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره ، وذلك من الفتون يا ابن جبير.
فخرج موسى متوجها نحو مدين ولم يلق بلاء قبل ذلك ، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عزوجل ، فإنه قال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) [القصص : ٢٣] يعني بذلك حابستين غنمهما ، فقال لهما : ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا : ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما نسقي من فضول حياضهم فسقى لهما فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء ، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما ، وانصرف موسى عليهالسلام فاستظل بشجرة وقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا ، فقال : إن لكما اليوم لشأنا ، فأخبرتاه بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى فدعته.
فلما كلمه قال : لا تخف نجوت من القوم الظالمين ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ، ولسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص : ٢٦] فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما يدريك ما قوته وما أمانته؟ فقالت : أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا ، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه ، وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك ، ثم قال لي : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين ، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت ، فقال له : هل لك (أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص : ٢٧]؟ ففعل فكانت على نبي الله موسى ثمان سنين واجبة ، وكانت سنتان عدة منه ، فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا.
قال سعيد وهو ابن جبير : فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم قال : هل تدري أي