وهو مناجز قرنه». وقوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين ، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) : [رجز]
يا من يتحبب إلى من يعاديه |
|
فكيف بمن يتولاه ويناديه؟ |
وقال وهب بن منبه : قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. وعن عكرمة في قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) قال : لا إله إلا الله ، وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أعذرا إليه قولا له : إن لك ربا ولك معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا ، وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) قال : كنه ، وكذا روي عن سفيان الثوري : كنه بأبي مرة ، والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رقيق ، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥].
وقوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة ، أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه ، كما قال تعالى : لمن أراد أن يذكر أو يخشى! (١) فالتذكر الرجوع عن المحذور ، والخشية تحصيل الطاعة ، وقال الحسن البصري : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ، وهاهنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ، ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق : [الطويل]
وأنت الذي من فضل منّ ورحمة |
|
بعثت إلى موسى رسولا مناديا (٢) |
فقلت له : فاذهب وهارون فادعوا |
|
إلى الله فرعون الذي كان باغيا |
فقولا له : هل أنت سويت هذه |
|
بلا وتد حتى استقلت كما هيا |
وقولا له : آ أنت رفعت هذه |
|
بلا عمد أرفق إذن بك بانيا |
وقولا له : آ أنت سويت وسطها |
|
منيرا إذا ما جنه الليل هاديا |
وقولا له : من يخرج الشمس بكرة |
|
فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا |
وقولا له : من ينبت الحب في الثرى |
|
فيصبح منه البقل يهتز رابيا |
ويخرج منه حبة في رؤوسه؟ |
|
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا |
وقوله عزوجل :
__________________
(١) هذه ليست آية ، وهي مزيج من آيتين الأولى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) [الفرقان : ٦٢] ، والثانية : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) [الأعلى : ١٠].
(٢) الأبيات في سيرة ابن هشام ١ / ٢٨٨.