يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليهالسلام إلى وقت ومكان معلومين تولى ، أي شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته ، كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان ، وقد كان السحر فيهم كثيرا نافقا جدا ، كما قال تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) [القصص : ٧٩] (ثُمَّ أَتى) ، أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة ، وجلس فرعون على سرير مملكته ، واصطف له أكابر دولته ، ووقفت الرعايا يمنة ويسرة ، وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئا على عصاه ومعه أخوه هارون ، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفا ، وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم ، ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم ، يقولون (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الشعراء : ٤١ ـ ٤٢] (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة ، وليست مخلوقة ، فتكونون قد كذبتم على الله (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) أي يهلككم بعقوبة هلاكا لا بقية له (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم ، فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي ، وقائل يقول بل هو ساحر ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي تناجوا فيما بينهم (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وهذه لغة لبعض العرب ، جاءت هذه القراءة على إعرابها ، ومنهم من قرأ «إن هذين لساحران» وهذه اللغة المشهورة ، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم : تعلمون أن هذا الرجل وأخاه ـ يعنون موسى وهارون ـ ساحران عالمان ، خبيران بصناعة السحر ، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس ، وتتبعهما العامة ، ويقاتلا فرعون وجنوده ، فينتصرا عليه ، ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر ، فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها ، يقولون : إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض ، وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم ، وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق ، سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) قال : يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) قال : أولو الشرف والعقل والأسنان. وقال أبو صالح : بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة : بخيركم. وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالا ، فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما. وقال عبد الرحمن بن زيد : بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه. (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي اجتمعوا كلكم صفا واحدا ، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا