قلت : وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا ، وفيه غرابة ، وذلك فيما رواه الحسن بن عرفة في جزئه المشهور : حدثنا مروان بن معاوية عن قتادة بن عبد الله التيمي ، حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله يعني ابن مسعود ، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وهما جالسان ، فقال محمد بن سعد لأبي عبيدة : حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمدصلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو عبيدة : لا بل حدثنا أنت عن أبيك ، فقال محمد : لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت ، قال فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل.
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني جبريل عليهالسلام بدابة فوق الحمار ودون البغل ، فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك يديه ، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال أزد شنوءة ، فيرفع صوته يقول أكرمته وفضلته ، قال : فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام ، فقال ، من هذا معك يا جبريل؟ قال : هذا أحمد ، قال مرحبا بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ، قال ثم اندفعنا فقلت من هذا يا جبريل؟ قال هذا موسى بن عمران. قال قلت ومن يعاقب؟ قال يعاتب ربه فيك ، قلت : ويرفع صوته على ربه؟ قال : إن الله قد عرف له حدته.
قال : ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج (١) ، تحتها شيخ وعياله ، قال : فقال لي جبريل : اعمد إلى أبيك إبراهيم ، فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام ، فقال إبراهيم : من هذا معك يا جبريل؟ قال : هذا ابنك أحمد ، قال : فقال مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، يا بني إنك لاق ربك الليلة ، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل.
قال : ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى ، فنزلت فربطت الدابة في الحقلة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ، قال : ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن ، فأخذت اللبن فشربت ، فضرب جبريل عليهالسلام منكبي وقال : أصبت الفطرة ورب محمد ، قال : «ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ، ثم انصرفنا فأقبلنا».
إسناد غريب ، ولم يخرجوه ، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليهالسلام ابتداء ، ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه ، والمشهور في الصحاح كما تقدم أن جبريل كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة ، وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهمالسلام قبل دخوله المسجد الأقصى ، والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات ، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيا وهم معه. وصلى بهم فيه ، ثم أنه ركب البراق وكر راجعا إلى مكة ، والله أعلم.
__________________
(١) السرج جمع سراج ، وهو الذي يسرج بالليل.