وقوله : (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ) يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٢ ـ ٣] وقال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ـ إلى قوله ـ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٦ ـ ٥٨] ولهذا قال : (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ). وقال الثوري : (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) ، أي لا نكلفك الطلب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن أبيه أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفا ، فإذا رجع إلى أهله ، فدخل الدار قرأ (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ـ إلى قوله ـ نَحْنُ نَرْزُقُكَ) ثم يقول : الصلاة. الصلاة رحمكم الله.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر عن ثابت قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله : يا أهلاه صلوا ، صلوا. قال ثابت : وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ، وقد روى الترمذي وابن ماجة من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك» (١) وروى ابن ماجة من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود : سمعت نبيكم صلىاللهعليهوسلم يقول : «من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك» (٢) ، وروي أيضا من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان ، عن أبيه عن زيد بن ثابت ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة نيته ، جمع له أمره وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة» (٣).
وقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة ، وهي الجنة لمن اتقى الله. وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع ، وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب ، فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة ، وأن ديننا قد طاب»(٤).
(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ
__________________
(١) أخرجه الترمذي في القيامة باب ٣٠ ، وابن ماجة في الزهد باب ٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٥٨.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٢.
(٣) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٢.
(٤) أخرجه مسلم في الرؤيا حديث ١٨.