وما ذاك؟ قال : تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ، ودفعت الغنم إلى صاحبها ، فذلك قوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) وكذا روى العوفي عن ابن عباس.
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد : حدثني خليفة عن ابن عباس قال : قضى داود بالغنم لصحاب الحرث فخرج الرعاة معهم الكلاب ، فقال لهم سليمان : كيف قضى بينكم؟ فأخبروه ، فقال : لو وليت أمركم لقضيت بغير هذا ، فأخبر بذلك داود ، فدعاه فقال : كيف تقضي بينهم؟ قال : أدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فيكون له أولادها وألبانها وسلاؤها (١) ومنافعها ، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم ، فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه ، أخذه أصحاب الحرث وردوا الغنم إلى أصحابها.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا خديج عن أبي إسحاق عن مرة عن مسروق قال : الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم ، إنما كان كرما نفشت فيه الغنم فلم تدع فيه ورقة ولا عنقودا من عنب إلا أكلته ، فأتوا داود فأعطاهم رقابها ، فقال سليمان : لا بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها ونفعها ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمروه ويصلحوه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم ، ثم يعطى أهل الغنم غنمهم ، وأهل الكرم كرمهم ، وهكذا قال شريح ومرة ومجاهد وقتادة وابن زيد وغير واحد.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن أبي زياد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا إسماعيل عن عامر قال : جاء رجلان إلى شريح فقال أحدهما : إن شياه هذا قطعت غزلا لي ، فقال شريح : نهارا أم ليلا؟ فإن كان نهارا فقد برىء صاحب الشياه ، وإن كان ليلا فقد ضمن ، ثم قرأ (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) الآية ، وهذا الذي قاله شريح شبيه بما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث الليث بن سعد عن الزهري ، عن حرام بن محيصة ، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها (٣) ، وقد علل هذا الحديث وقد بسطنا الكلام عليه في كتاب الأحكام ، وبالله التوفيق.
وقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد عن حميد أن إياس بن معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى ، فقال : ما يبكيك؟ قال : يا أبا سعيد بلغني أن القضاة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار،
__________________
(١) سلاؤها : أي سمنها.
(٢) تفسير الطبري ٩ / ٥١.
(٣) أخرجه أبو داود في البيوع باب ٩٠ ، وابن ماجة في الأحكام باب ١٣ ، ومالك في الأقضية حديث ٣٦ ، ٣٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٩٥ ، ٥ / ٤٣٥.