التركيب في هذه الآية كقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨] أي ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله.
وقوله : (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) أي يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وقد جعله الله شرعا سواء لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) قال : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام. وقال مجاهد : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل ، وكذا قال أبو صالح وعبد الرحمن بن سابط وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : سواء فيه أهله وغير أهله.
وهذه المسألة هي التي اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهويه بمسجد الخيف ، وأحمد بن حنبل حاضر أيضا ، فذهب الشافعي رحمهالله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ، واحتج بحديث الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال : قلت يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟» ثم قال : «لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر» (١) وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة ، فجعلها سجنا ، بأربعة آلاف درهم ، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار ، وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنها لا تورث ولا تؤجر ، وهو مذهب طائفة من السلف ، ونص عليه مجاهد وعطاء ، واحتج إسحاق بن راهويه بما رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن (٢).
وقال عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها ، وقال أيضا عن ابن جريج : كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهي عن تبويب دور مكة لأن ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين إني كنت امرأ تاجرا ، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري ، قال : فلك ذلك إذا. وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الحج باب ٤٤ ، والفرائض باب ٢٦ ، ومسلم في الفرائض حديث ١ ، وابن ماجة في الفرائض باب ٦.
(٢) أخرجه ابن ماجة في المناسك باب ١٠٢.