(إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) أي ما كان لهم إلى قومهم إساءة ، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له ، وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وأما عند المشركين فإنه أكبر الذنوب ، كما قال تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١] وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج : ١٥] ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ويقولون : [رجز]
اللهم لولا أنت ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلينا (١) |
فأنزلن سكينة علينا |
|
وثبت الأقدام إن لاقينا |
إن الألى قد بغوا علينا |
|
إذا أرادوا فتنة أبينا |
فيوافقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويقول معهم آخر كل قافية ، فإذا قالوا :
إذا أرادوا فتنة أبينا
يقول : أبينا يمد بها صوته ، ثم قال تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي لو لا أنه يدفع بقوم عن قوم ، ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب ، لفسدت الأرض ولأهلك القوي الضعيف (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ) وهي المعابد الصغار للرهبان ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والضحاك وغيرهم. وقال قتادة : هي معابد الصابئين ، وفي رواية عنه : صوامع المجوس ، وقال مقاتل بن حيان : هي البيوت التي على الطرق (وَبِيَعٌ) وهي أوسع منها ، وأكثر عابدين فيها ، وهي للنصارى أيضا ، قاله أبو العالية وقتادة والضحاك وابن صخر ومقاتل بن حيان وخصيف وغيرهم. وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره أنها كنائس اليهود ، وحكى السدي عمن حدثه عن ابن عباس أنها كنائس اليهود ، ومجاهد إنما قال : هي الكنائس ، والله أعلم.
وقوله : (وَصَلَواتٌ) قال العوفي عن ابن عباس : الصلوات الكنائس وكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة : إنها كنائس اليهود ، وهم يسمونها صلوتا (٢). وحكى السدي عمن حدثه عن ابن عباس أنها كنائس النصارى. وقال أبو العالية وغيره : الصلوات معابد الصابئين. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : الصلوات مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق ، وأما المساجد فهي للمسلمين. وقوله : (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) فقد قيل : الضمير في قوله يذكر فيها عائد إلى المساجد لأنها أقرب المذكورات. وقال الضحاك : الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا. وقال
__________________
(١) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٨ ، ولعامر بن الأكوع في المقاصد النحوية ٤ / ٤٥١ ، وله أو لعبد الله في الدرر ٤ / ٢٣٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٧ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ١٦٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ١٦٥.