والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم ، وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر ، فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه وعظيم إحسان الله إليه. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح ، حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن ابن الحارث ـ يعني عبد الكريم ـ عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال : قال حدثنا شرحبيل بن السمط : طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم ، فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه ، فقال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر ، وأجرى عليه الرزق ، وأمن من الفتانين ، واقرءوا إن شئتم (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ).
وقال أيضا : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا زيد بن بشر ، أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان : كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فمر بجنازتين إحداهما قتيل ، والأخرى متوفى ، فمال الناس على القتيل ، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا : هذا القتيل في سبيل الله ، فقال : والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت؟ اسمعوا كتاب الله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) حتى بلغ آخر الآية.
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، أنبأنا ابن المبارك ، أنبأنا ابن لهيعة ، حدثنا سلامان بن عامر الشعباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق ، والآخر توفي ، فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له : تركت الشهيد فلم تجلس عنده؟ فقال : ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) الآيتين. فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلا ترضاه ، ورزقت رزقا حسنا ، والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت.
ورواه ابن جرير (١) عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن سلامان بن عامر قال : كان فضالة برودس أميرا على الأرباع ، فخرج بجنازتي رجلين ، أحدهما قتيل والآخر متوفى ، فذكر نحو ما تقدم. وقوله : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) الآية ، ذكر مقاتل بن حيان وابن جرير أنها نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعا من المشركين في شهر محرم ، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا قتالهم ، وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
__________________
(١) تفسير الطبري ٩ / ١٨٢.