بالحنيفية السمحة» (١) وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن «بشّرا ولا تنفّرا ويسّرا ولا تعسرا» (٢) ، والأحاديث في هذا كثيرة ، ولهذا قال ابن عباس في قوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يعني من ضيق.
وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) قال ابن جرير (٣) : نصب على تقدير (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي من ضيق بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم ، قال : ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم. (قلت) وهذا المعنى في هذه الآية كقوله : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [الأنعام : ١٦١] الآية ، وقوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) وفي هذا قال الإمام عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) قال : الله عزوجل ، وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) يعني إبراهيم ، وذلك قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] قال ابن جرير : وهذا لا وجه له ، لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين ، وقد قال الله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر ، (وَفِي هذا) يعني القرآن ، وكذا قال غيره.
(قلت) وهذا هو الصواب ، لأنه تعالى قال : (هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل ، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان ، فقال : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذا القرآن (وَفِي هذا) روى النسائي عند تفسير هذه الآية : أنبأنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن شعيب ، أنبأنا معاوية بن سلام أن أخاه زيد بن سلام أخبره عن أبي سلام أنه أخبره ، قال : أخبرني الحارث الأشعري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم» قال رجل : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن صام وصلى؟ قال «نعم وإن صام وصلى» فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله ، وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٦٦ ، ٦ / ١١٦ ، ٢٣٣.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٦٤ ، والمغازي باب ٦٠ ، والأدب باب ٨٠ ، والأحكام باب ٢٢ ، ومسلم في الجهاد حديث ٧١ ، وأبو داود في الأدب باب ١٧ ، والدارمي في المقدمة باب ٢٤ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٣١ ، ٢٠٩ ، ٤ / ٣٩٩ ، ٤١٢ ، ٤١٧.
(٣) تفسير الطبري ٩ / ١٩٣.