الأمور العظام ، فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظما ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم.
وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) وقال تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري (١) ، وقال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] والبصر من آلات الذات لا الروح ، وأيضا فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم.
وقال آخرون بل أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم بروحه لا بجسده ، قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة : حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة. وحدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكن أسري بروحه.
قال ابن إسحاق : فلم ينكر ذلك من قولها لقول الحسن إن هذه الآية نزلت (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] ولقول الله في الخبر عن إبراهيم (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) [الصافات : ١٠٢] قال : ثم مضى على ذلك ، فعرفت أن الوحي يأتي للأنبياء من الله أيقاظا ونياما ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «تنام عيناي وقلبي يقظان» والله أعلم ، أي ذلك كان قد جاءه وعاين من الله فيه ما عاين على أي حالاته كان نائما أو يقظانا ، كل ذاك حق وصدق ، انتهى كلام ابن إسحاق (٢). وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير في تفسيره بالرد والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن ، وذكر من الأدلة على رده بعض ما تقدم ، والله أعلم.
[فائدة حسنة جليلة]
روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب دلائل النبوة من طريق محمد بن عمر الواقدي : حدثني مالك بن أبي الرجال عن عمرو بن عبد الله عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم دحية بن خليفة إلى قيصر ، فذكر وروده عليه وقدومه إليه ، وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل ، ثم استدعى من بالشام من التجار فجيء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه ، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم كما سيأتي
__________________
(١) كتاب التفسير تفسير سورة ١٧ ، باب ٩.
(٢) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٣٩٩ ، ٤٠٠.