ويفجرون على الناس ، كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦] أي تقدمنا إليه ، وأخبرناه بذلك ، وأعلمناه به. وقوله (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) أي أولى الإفسادتين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي سلطنا عليكم جندا من خلقنا أولي بأس شديد ؛ أي قوة وعدة وسلطنة شديدة ، (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ، أي تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم ، أي بينها ووسطها ، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا وكان وعدا مفعولا.
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم من هم؟ فعن ابن عباس وقتادة أنه جالوت الجزري وجنوده ، سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك. وقتل داود جالوت ، ولهذا قال (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) (١) الآية ، وعن سعيد بن جبير أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده. وعنه أيضا وعن غيره أنه بختنصر ملك بابل. وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أنه ملك البلاد ، وأنه كان فقيرا مقعدا ضعيفا يستعطي الناس ويستطعمهم ، ثم آل به الحال إلى ما آل ، وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس فقتل بها خلقا كثيرا من بني إسرائيل ، وقد روى ابن جرير (٢) في هذا المكان حديثا أسنده عن حذيفة مرفوعا مطولا ، وهو حديث موضوع لا محالة ، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث ، والعجب كل العجب كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته ، وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي رحمهالله بأنه موضوع مكذوب ، وكتب ذلك على حاشية الكتاب.
وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها ، لأن منها ما هو موضوع ومن وضع بعض زنادقتهم ، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا ، ونحن في غنية عنها ، ولله الحمد. وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم. وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا ، سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم ، وسلك خلال بيوتهم ، وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد ، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء.
وقد روى ابن جرير (٣) : حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بختنصر على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا ، فسألهم ، ما هذا الدم؟ فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٨ / ٢٩.
(٢) تفسير الطبري ٨ / ٢١.
(٣) تفسير الطبري ٨ / ٢٨.