وقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) أي نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة إما بيمينه إن كان سعيدا أو بشماله إن كان شقيا ، منشورا أي مفتوحا يقرؤه هو وغيره فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [القيامة : ١٣ ـ ١٥] ولهذا قال تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي إنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا ما عملت ، لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي. وقوله : (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) إنما ذكر العنق لأنه عضو من الأعضاء لا نظير له في الجسد ، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه ، كما قال الشاعر. [مجزوء الكامل]
اذهب بها اذهب بها |
|
طوقتها طوق الحمامه (١). |
قال قتادة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا عدوى ولا طيرة ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه» كذا رواه ابن جرير (٢) ، وقد رواه الإمام عبد بن حميد في مسنده متصلا ، فقال : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «طير كل عبد في عنقه».
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني يزيد أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه ، يحدث عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : «ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا عبدك فلان قد حبسته ، فيقول الرب جل جلاله : اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت» إسناده جيد قوي ، ولم يخرجوه.
وقال معمر عن قتادة : (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) قال عمله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قال : نخرج ذلك العمل (كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) قال معمر ، وتلا الحسن البصري (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧] يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ، اقرأ كتابك الآية ، فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك (٤) ، هذا من أحسن كلام الحسن ، رحمهالله.
__________________
(١) البيت لأبي أحمد بن جحش في سيرة ابن هشام ١ / ٥٠٠.
(٢) تفسير الطبري ٨ / ٤٧.
(٣) المسند ٤ / ١٤٦.
(٤) انظر تفسير الطبري ٨ / ٤٩.