من أئمة العلماء ، ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن ، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط ، أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله إن الدار الآخرة دار جزاء ، فلا شك أنها دار جزاء ، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار ، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال وقد قال تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) [القلم : ٤٢] الآية.
وقد ثبت في الصحاح وغيرها أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة ، وأن المنافق لا يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقا واحدا كلما أراد السجود خرّ لقفاه (١). وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجا منها ، أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه ، ويتكرر ذلك مرارا ويقول الله تعالى : يا ابن آدم ما أغدرك ، ثم يأذن له في دخول الجنة (٢) ، وأما قوله : فكيف يكلفهم الله دخول النار وليس ذلك في وسعهم ، فليس هذا بمانع من صحة الحديث ، فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط ، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف وأدق من الشعرة ، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ، ومنهم الساعي ومنهم الماشي ومنهم من يحبو حبوا ومنهم المكدوش على وجهه في النار (٣) ، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.
وأيضا فقد أثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار ، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار ، فإنه يكون عليه بردا وسلاما ، فهذا نظير ذاك ، وأيضا فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا حتى قتلوا فيما قيل في غداة واحدة سبعين ألفا ، يقتل الرجل أباه وأخاه ، وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم ، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل ، وهذا أيضا شاق على النفوس جدا لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور ، والله أعلم.
[فصل] إذا تقرر هذا فقد اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال [أحدها] أنهم في الجنة. واحتجوا بحديث سمرة أنه عليهالسلام رأى مع إبراهيم عليهالسلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين ، وبما تقدم في رواية أحمد عن حسناء عن عمها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والمولود في الجنة» وهذا استدلال صحيح ، ولكن أحاديث الامتحان أخص منه. فمن علم الله
__________________
(١) أخرجه بنحو ، البخاري في تفسير سورة ٦٨ ، باب ٢ ، والتوحيد باب ٢٤.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٢٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٩.
(٣) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٠٢ ، ويروى المكدوس بدل المكدوش.