يقول تعالى ناهيا عباده عن التجبر والتبختر في المشية (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي متبخترا متمايلا مشي الجبارين (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي لن تقطع بمشيك ، قاله ابن جرير(١) ، واستشهد عليه بقول رؤبة بن العجاج : [رجز]
وقاتم الأعماق خاوي المخترق (٢)
وقوله : (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك ، بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده ، كما ثبت في الصحيح «بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما ، إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» (٣) وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته ، وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض ، وفي الحديث «من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ، ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ، حتى لهو أبغض إليهم من الكلب والخنزير» (٤).
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا حجاج بن محمد عن أبي بكر الهذلي قال بينما نحن مع الحسن إذ مر عليه ابن الأهيم يريد المنصور ، وعليه جباب خز قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه ، وانفرج عنها قباؤه ، وهو يمشي ويتبختر ، إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال : أف أف ، شامخ بأنفه ، ثاني عطفه ، مصعر خده ، ينظر في عطفيه ، أي حميق ينظر في عطفه في نعم غير مشكورة ولا مذكورة ، غير المأخوذ بأمر الله فيها ، ولا المؤدي حق الله منها ، والله أن يمشي أحدهم طبيعته يتلجلج تلجلج المجنون في كل عضو منه نعمة ، وللشيطان به لعنة ، فسمعه ابن الأهيم فرجع يعتذر إليه ، فقال : لا تعتذر إلي وتب إلى ربك ، أما سمعت قول الله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً).
__________________
(١) تفسير الطبري ٨ / ٨١.
(٢) بعده :
مشتبه الأعلام لمّاع الخفف
والرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٠٤ ، والأغاني ١٠ / ١٥٨ ، وجمهرة اللغة ص ٤٠٨ ، ٦١٤ ، ٩٤١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥ ، والخصائص ٢ / ٢٢٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥٣ ، ومقاييس اللغة ٢ / ١٧٢ ، ٥ / ٨٥ ، ولسان العرب (خفّف) ، (عمق) ، (غلا) ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٦٠ ، ٣٢٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٩٣ ، ٥٠٢ ، ٦٣٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٧٢ ، والعقد الفريد ٥ / ٥٠٦ ، والكتاب ٤ / ١١٠ ، وكتاب العين ١ / ١٨٨.
(٣) أخرجه مسلم في اللباس حديث ٤٩ ، ٥٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٢٢ ، ٢٦٧ ، ٣١٥.
(٤) أخرجه القسم الأول من الحديث مسلم في البر حديث ٦٩ ، والترمذي في البر باب ٨٢ ، والدارمي في الزكاة باب ٣٤ ، ومالك في الصدقة حديث ١٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٨٦.