ونسحر بالطعام وبالشراب (١)
أي يغذي ، وقد صوب هذا القول ابن جرير ، وفيه نظر لأنهم أرادوا هاهنا أنه مسحور له رئي يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه ، ومنهم من قال : شاعر. ومنهم من قال : كاهن. ومنهم من قال : مجنون ومنهم من قال : ساحر ، ولهذا قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أي فلا يهتدون إلى الحق ولا يجدون إليه مخلصا.
قال محمد بن إسحاق في السيرة : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قاله أول مرة ، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. قال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها ، قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به. قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال : ما ذا سمعت؟ قال : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال : فقام عنه الأخنس وتركه (٢).
__________________
(١) صدره :
أرانا موضعين لأمر غيب
والبيت من الوافر وليس من الرجز كما قال المؤلف وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٩٧ ، ولسان العرب (سحر) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١٣١ ، وكتاب العين ٣ / ١٣٥ ، وجمهرة اللغة ص ٥١١ ، وتاج العروس (سحر) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٤ / ٢٩٣.
(٢) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٣١٥ ، ٣١٦.