وقتادة : يحركونها استهزاء ، وهذا الذي قالاه هو الذي تعرفه العرب من لغاتها ، لأن الانغاض هو التحرك من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل ، ومنه قيل للظليم وهو ولد النعامة نغضا ، لأنه إذا مشى عجل بمشيته وحرك رأسه ، ويقال : نغضت سنّه إذا تحركت وارتفعت من منبتها وقال الراجز : [مشطور الرجز]
ونغضت من هرم أسنانها (١)
وقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) إخبار عنهم بالاستبعاد منهم لوقوع ذلك ، كما قال تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الملك : ٢٥] وقال تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨]. وقوله : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) أي احذروا ذلك ، فإنه قريب سيأتيكم لا محالة ، فكل ما هو آت آت. وقوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) أي الرب تبارك وتعالى : (إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم : ٢٥] أي إذا أمركم بالخروج منها ، فإنه لا يخالف ولا يمانع ، بل كما قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠] (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠]. وقوله (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [النازعات : ١٣ ـ ١٤] أي إنما هو أمر واحد بانتهار ، فإذا الناس قد خرجوا من باطن الأرض إلى ظاهرها ، كما قال تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) أي تقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : فتستجيبون بحمده ، أي بأمره ، وكذا قال ابن جريج : وقال قتادة بمعرفته وطاعته.
وقال بعضهم (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) أي وله الحمد في كل حال. وقد جاء في الحديث «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ، كأني بأهل لا إله إلا الله يقومون من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون لا إله إلا الله» وفي رواية يقولون (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٣٤] وسيأتي في سورة فاطر. وقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ) أي يوم تقومون من قبوركم (إِنْ لَبِثْتُمْ) أي في الدار الدنيا (إِلَّا قَلِيلاً) ، وكقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦] ، وقال تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٢ ـ ١٠٤] ، وقال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم : ٥٥] ، وقال تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون : ١١٢ ـ ١١٤].
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في تفسير الطبري ٨ / ٩١ ، وتفسير البحر المحيط ٦ / ٤٣ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٠ / ٢٧٥.