وقع لي أنّ سماحة هذا بالإقرار عن أمر بعيد من الحقّ ، لعلّه أن ينكشف لي أمرهما. أما رأيت قلّة تغاضيهما في المحاورة وسكوتهما ، مع عظم المال؟
فبينا نحن كذلك ، إذ استأذن تاجر موسر ، فأذن له القاضي ، فدخل وقال :قد بليت بابن لي حدث ، يتلف مالي عند فلان المقبّن ، فإذا منعته مالي احتال بحيل تلجئني إلى التزام غرمه. وأقربه أنّه قد نصّب المقبّن اليوم يطالبه بألف دينار. وبلغني أنّه قدّمه إليك ليحبس ، وأقع مع أمّه في نكد إلى أن أزنها عنه.
فتبسّم القاضي وقال لي : كيف رأيت؟
قلت : لهذا ومثله فضّل الله القاضي.
فقال : عليّ بالغلام وبالشّيخ. فأدخلا ، فأرهب القاضي الشّيخ ، ووعظ الغلام ، فأقرّ الشيخ وأخذ التّاجر بيد ابنه وانصرفوا. (١)
وقال أبو برزة الحاسب : لا أعرف في الدّنيا أحسب من أبي حازم القاضي.
وقال القاضي أبو الطّاهر الذّهليّ : بلغني أنّ أبا حازم القاضي جلس بالشّرقيّة ، فأدّب خصما لأمر ، فمات. فكتب رقعة إلى المعتضد يقول : إنّ دية هذا واجبة في بيت المال ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بحملها إلى ورثته فعل.
فحمل إليه عشرة آلاف درهم ، فدفعها إلى ورثته (٢).
قلت : وكان المعتضد يجلّ أبا حازم ويطيعه في الخير.
وبلغنا أنّ أبا حازم لمّا احتضر جعل يبكي ويقول : يا ربّ من القضاء إلى القبر.
وله شعر رائق ، فمنه :
أدلّ فأكرم به من مدلّ |
|
ومن شادن لدمي مستحلّ |
إذا ما تعذّر قابلته بذلّ |
|
وذلك جهد المقلّ |
__________________
(١) تاريخ دمشق ٩ / ٤٠٢ أ.
(٢) تاريخ دمشق ٩ / ٤٠٢ أ ، المنتظم ٦ / ٥٤ ، ٥٥.