كتب الفقه في المذاهب المتّبعة ، ولا سيّما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية ، فيها المئات من المسائل المخالفة للأحاديث المتّفق على صحّتها.
وقد أورد ابن القيّم في أعلام الموقّعين شواهد كثيرة جدّا من ردّ الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملا بالقياس أو لغير ذلك ، ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه ، وقد أورد لهذا أكثر من ستّين شاهدا (١) ، ومع ذلك كلّه فمن الغريب جمع الغزّالي بين ذلك وبين رأيه في الصحابة ، قال في المستصفى :
الأصل الثاني من الأصول الموهومة : قول الصحابي ، وقد ذهب قوم إلى أنّ مذهب الصحابي حجّة مطلقا ، وقوم إلى أنّه حجّة إن خالف القياس ، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول أبي بكر وعمر خاصّة ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (اقتدوا باللذين من بعدي) ، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتّفقوا.
والكلّ باطل عندنا ؛ فإنّ من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه ، فلا حجّة في قوله ، فكيف يحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ؟! وكيف تدّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة؟! وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف؟! وكيف يختلف المعصومان؟!
كيف؟! وقد اتّفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كلّ مجتهد أن يتّبع اجتهاد نفسه ، فانتفاء الدليل على العصمة ، ووقوع الاختلاف بينهم ، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلّة قاطعة (٢).
ثمّ ذكر أدلّة بقية الأقوال وأخذ في ردّها ، وتتلخّص ردوده عليها في النقاط التالية :
الأولى : إنّ ما يروى عندهم من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ، هو خطاب مع عوّام ذلك العصر ، لتعريف درجة الفتوى للصحابة ، إذ الصحابي
__________________
(١). انظر : أعلام الموقّعين ٢ / ٢٩٤ ـ ٤٢٤.
(٢). المستصفى ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦٢.