والكون رهن الإشارة ما لا يتوقّعه من سائر الرعية ، بل إنّ في طبقات الوزراء اختلاف في المكانة والحظوة لدى الملك ، وبالتالي اختلاف في ما يتوقّعه وينتظره الملك منهم في مجال التقيّد بأقصى مكارم الآداب معه ، ومن هذا الباب ما يشاهد من خطاب عتاب مع الأنبياء في القرآن ، فإنّها ليست أخطاء ومعاص في الشرع وحكم العقل ، وإنّما هي من باب ترك الأولى في منطق القرب والزلفى ومقام المحبّين.
الثالث : إنّ خطأ الميزان الظاهر المجعول في باب القضاء ، أو في باب الإمارة وتدبير الحكم ، ونحوهما ممّا يكون في الموضوعات الخارجيّة ، ليس من خطأ المعصوم ، كالنبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه موظّف في مصالح التشريع بالعمل بهذا الميزان في تلك الموضوعات الجزئية ، ممّا يتدارك خطأ الميزان الشرعي الظاهري بالمصالح الأخرى ؛ وأين هذا من الأحكام الكلّيّة ومعرفة الشريعة؟! وإذا فرض جهل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ـ والعياذ بالله تعالى ـ وتحرّيه لها بالاجتهاد الظنّي ، فأين الطريق إليها المأمون عن الخطأ؟! وما هو ميزان الصحّة من الخطأ إذا كان الطريق مسدودا إلى الأبد ، إذ لا فاتح لما انسدّ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أبواب العلم؟! وهذا بخلاف باب الموضوعات الجزئية ، فإنّ طريق العلم بها مفتوح وراء ميزان القضاء والحكم.
الربع : إنّهم خلطوا بين السؤال الممدوح عن الأحكام ومعارف الدين كما في قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) (١) وقال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢) ، وبين السؤال المذموم عن الأحكام والشريعة ، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها) (٣) وقال : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) (٤).
__________________
(١). التوبة / ١٢٢.
(٢). النحل / ٤٣ ، والأنبياء / ٧.
(٣). المائدة / ١٠١.
(٤). البقرة / ١٠٨.